الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }

{ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ } قال المهايميّ: أي: قل للمشركين بعد النجاة الموعود فيها بالشكر: إنما أشركتم لأمنكم من الشدائد، لكن لا وجه للأمان منها، لاستمرار منشأ الخوف، وهو القدرة الإلهية على أنواع الشدائد من الجهات كلها. إذ هو القادر على إرسال عذاب أعظم من تلك الشدة من فوقكم، كإمطار النار أو الحجارة، أو إسقاط السماء.

{ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } كالخسف والطوفان، { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } أي: يخلطكم فرقاً خلط اضطراب، فيجعلكم متحزبين مختلفين في القتال، بأن يقوّي أعداءكم { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ } أي: شدة { بَعْضٍ } يعني: يسلط بعضكم على بعض بالقتل والتعذيب.

{ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } أي: نحوِّلها من نوع إلى آخر. { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } أي: يفهمون ويعتبرون، فيكفوا عن كفرهم وعنادهم.

تنبيهان

الأول: روى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال. " لما نزلت هذه الآية { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعوذ بوجهك " { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال: " أعوذ بوجهك " { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ }. قال: " هذا أهون " ، أو " هذا أيسر " ".

قال الحافظ ابن حجر: وقد روى ابن مردويه من حديث ابن عباس ما يفسر به حديث جابر، ولفظه: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعاً، فرفع عنهم ثنتين، وأبي أن يرفع عنهم اثنتين. دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض وألا يلبسهم شيعاً ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع الله عنهم الخسف والرجم، وأبي أن يرفع عنهم الأخريين " فيستفاد من هذه الرواية المراد بقوله: { مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } ، ويستأنس له أيضاً بقوله تعالى:أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ } [الإسراء: 68].

وروى الإمام مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه أقبل مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم من العالية، حتى إذا مرّ بمسجد بني معاوية، دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه ودعا ربه طويلاً، ثم انصرف إلينا فقال: " سألت ربي ثلاثاً، فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة؛ سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسَّنة، فأعطانيها. وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق، فأعطانيها. وسألت ربي أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها ".

وروى الإمام أحمد من حديث أبي بصرة نحوه، لكن قال: (بدل خصلة الإهلاك)، أن لا يجمعهم على ضلالة. وكذا الطبري من مرسل الحسن.

قال الخفاجيّ: فإن قلت: كيف أجيبت الدعويان، وسيكون خسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب؟ أي: كما رواه الترمذيّ وغيره؟ قلت: الممنوع: خسف مستأصل لهم.

السابقالتالي
2