{ قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } أي: على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها إليّ، لا يمكن التشكيك فيها { وَكَذَّبْتُم بِهِ } استئناف أو حال، والضمير للبينة. والتذكير باعتبار المعنى المراد. أعني: الوحي، أو القرآن، أو نحوهما. { مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } أي: من العذاب. قال أبو السعود: استئناف مبين لخطئهم في شأن ما جعلوه منشأً لتكذيبهم بالبينة، وهو عدم مجيء ما وعد فيها من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بقولهم:{ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [يونس: 48] بطريق الاستهزاء، أو بطريق الإلزام، على زعمهم. أي: ليس ما تستعجلونه من العذاب الموعود في القرآن، وتجعلون تأخره ذريعة إلى تكذيبه، في حكمي وقدرتي، حتى أجيء به، وأظهر لكم صدقه. أو ليس أمره بمفوّض إليّ. { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ } أي: لو كان عندي لكنت أنا الحاكم، لكن ما الحكم في ذلك تعجيلاً وتأخيراً إلا لله، وقد حَكَمَ بتأخيره، لما له من الحكمة العظيمة، لكنه محقق الوقوع لأنه { يَقُصُّ ٱلْحَقَّ } أي: يبينه بياناً شافياً، { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ } أي: القاضين بين عباده. لطيفة قُرئ: " يَقْضِ الحقَّ " بالضاد، وانتصاب الحق على المصدرية، لأنه صفة مصدر محذوف قامت مقامه. أو على المفعولية، بتضمين (يقضي) معنى (ينفذ)، أو هو متعد من (قضى الدرع) إذا صنعها. قال الهذليّ:
وعليهما مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا
داودُ أو صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ
قال الرازيّ: واحتج أبو عمر على هذه القراءة بقوله: { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ } قال: والفصل يكون في القضاء، لا في القصص. وأجاب أبو عليّ الفارسيّ فقال: القصص ههنا بمعنى: القول، وقد جاء الفصل في القول. قال تعالى:{ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } [الطارق: 13]. وقال:{ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ } [هود: 1] وقال:{ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } [الأعراف: 32]. انتهى. قال الشهاب: معنى (يقصه) أي: يبينه بياناً شافياً، وهو عين القضاء.