الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }

{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ } أي: مستقرة فيها، لا ترتفع عنها { وَلاَ طَائِرٍ } يرتفع عنها إذ { يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } أي: أصناف مصنفة في ضبط أحوالها، وعدم إهمال شيء منها، وتدبير شؤونها، وتقدير أرزاقها.

{ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ } أي: ما تركنا، وما أغفلنا، في لوح القضاء المحفوظ، { مِن شَيْءٍ } أي: جليل أو دقيق، فإنه مشتمل على ما يجري في العالم، لم يهمل فيه أمر شيء، والمعنى: أن الجميع علمهم عند الله، لا ينسى واحداً منها من رزقه وتدبيره. كقوله:وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [هود: 6] أي: مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانّها، وحاصر لحركاتها وسكناتها. { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } يعني: الأمم كلها، من الدوابّ والطير، فينصف بعضهم من بعض، حتى يبلغ من عدله أن يأخذ للجمَّاء من القرناء. وإيراد ضميرها على صيغة جمع العقلاء. لإجرائها مجراهم.

تنبيهات

الأول: قال الزمخشري: إن قلت: فما الغرض في ذكر ذلك؟ قلت: الدلالة على عظم قدرته، ولطف علمه، وسعة سلطانه، وتدبيره تلك الخلائق المتفاوتة الأجناس، المتكاثرة الأصناف، وهو حافظ لما لها وما عليها، مهيمن على أحوالها، لا يشغله شأن عن شأن، وأن المكلفين ليسوا بمخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الحيوان.

وقال الرازيّ: المقصود أن عناية الله لما كانت حاصلة لهذه الحيوانات، فلو كان إظهار آية ملجئة مصلحة، لأظهرها، فيكون كالدليل على أنه تعالى قادر على أن ينزل آية.

وقال القاضي: إنه تعالى لما قدم ذكر الكفار، وبيّن أنهم يرجعون إلى الله ويحشرون، بيّن بعده قوله: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ... } إلخ، أن البعث حاصل في حق البهائم أيضاً.

الثاني: زيادة (مِنْ) في قوله: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ } لتأكيد الاستغراق. و (فِي) متعلقة بمحذوف هو وصف لـ (دَابَّةٍ) مفيد لزيادة التعميم. كأنه قيل: وما فرد من أفراد الدواب يستقر في قطر من أقطار الأرض. وكذا زيادة الوصف في قوله: { يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ }.

قال في (الانتصاف): في وجه زيادة التعميم، أن موقع قوله: { فِي ٱلأَرْضِ } و { يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } موقع الوصف العام - وصفة العام عامة - ضرورة المطابقة، فكأنه مع زيادة الصفة، تضافرت صفتان عامتان.

الثالث: قال الزمخشري: إن قلت: كيف قيل: (الأمم) مع إفراد الدابة والطائر؟ قلت: لَمَّا كان قوله تعالى: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ } دالاً على معنى الاستغراق، ومغنياً عن أن يقال: وما من دوابّ ولا طير، حمل قوله: { إِلاَّ أُمَمٌ } على المعنى.

الرابع: دلت الآية على أن كل صنف من البهائم أمة، وجاء في الحديث: " لولا أن الكلاب أمة من الأمم، لأمرت بقتلها "

السابقالتالي
2 3 4 5 6