الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ }

{ وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ } أي: المعبود فيهما، { يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ } أي: من الأقوال أو الدواعي والصوارف القلبية وأعمال الجوارح، { وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } أي: ما تفعلونه من خير أو شر، فيثيب عليه ويعاقب. وتخصيصه بالذكر، مع اندراجه فيما سبق، على التفسير الثاني للسر والجهر - لإظهار كمال الاعتناء به لأنه الذي يتعلق به الجزاء، وهو السر في إعادة (يعلم).

قال الناصر في (الانتصاف): وما هاتان الآيتان الكريمتان - يعني هذه الآية وآية الزخرف، وهي قوله تعالى:وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } [الزخرف: 84] - إلا توأمتان. فإن التمدح في آية الزخرف، وقع بما وقع التمدح به ههنا من القدرة على الإعادة والاستئثار بعلم الساعة والتوحد في الألوهية، وفي كونه تعالى المعبود في السماوات والأرض.

وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: للمفسرين في هذه الآية أقوال، بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية، الأول: القائلين - تعالى عن قولهم علواً كبيراً - بأنه في كل مكان، حيث حملوا الآية على ذلك. فلأصح من الأقوال أنه المدعوّ في السماوات وفي الأرض، أي: يعبده ويوحده ويقرّ له بالإلهية من في السماوات ومن في الأرض، ويسمونه الله، ويدعونه رغباً ورهباً إلا من كفر من الجن والإنس. وهذه الآية - على هذا القول - كقوله تعالى:وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } [الزخرف: 84] أي: هو إله من في السماء وإله من في الأرض. وعلى هذا، فيكون قوله: { يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ } خبراً أو حالاً.

والقول الثاني: إن المراد أنه الله الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض من سر وجهر. فيكون قوله: (يَعْلَمُ) متعلقاً بقوله: { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ } تقديره: وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات.... إلخ.

والقول الثالث: إن قوله: { وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } وقف تام، ثم استأنف الخبر فقال: { وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ } وهذا اختيار ابن جرير. انتهى.

ورجح ابن عطية في الآية: أنه الذي يقال له: (الله) فيهما. قال: وهذا عندي أفضل الأقوال، وأكثرها إحرازاً لفصاحة اللفظ، وجزالة المعنى. وإيضاحه: أنه أراد أن يدل على خلقه، وآيات قدرته، وإحاطته واستيلائه، ونحو هذه الصفات. فجمع هذه كلها في قوله: { وَهُوَ ٱللَّهُ } الذي له هذه كلها { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ } كأنه قال: وهو الخالق والرازق والمحيي والمميت فيهما.

تنبيه:

قال الرازيّ: الآية تدل كون الإنسان مكتسباً للفعل، والكسب هو الفعل المُفضي إلى اجتلاب نفع، أو دفع ضرّ.. ولهذا السبب لا يوصف فعل الله بأنه كسب، لكونه تعالى منزّهاً عن جلب النفع، ودفع الضرّ - والله أعلم -.