الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } أي: يصغي حين تتلو القرآن، ولا يجزئ عنه شيئاً؛ لأنه لا يتدبر فيه حتى يطّلع على إعجازه، ويؤثر فيه الإرشاد { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أي: حُجُباً، جمع كنان، كغطاء وأغطية، لفظاً ومعنى { أَن يَفْقَهُوهُ } أي: كراهة أن يفهموا، ببواطن قلوبهم، بواطنَه التي بها إعجازه وإرشاده، بإقامة الدلائل ورفع الشبه. { وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً } أي: وجعلنا في آذانهم، التي هي طريق الوصول إلى بواطن القلوب، صمماً مانعاً من وصول السماع النافع. وقد مرّ في أول البقرة تحقيق ذلك. فتذكر.

وقوله تعالى: { وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا } إشارة إلى أنه لا يختص ما ذكر منهم بالقرآن، لرؤيتهم قصوراً فيه، بل مهما يروا من الآيات والحجج مما يدل على صدق الرسول لا يؤمنوا بها، ويحملوها على السحر. لفرط عنادهم، واستحكام التقليد فيهم، فلا فهم عندهم ولا إنصاف. كقوله تعالى:وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } [الأنفال: 23].

{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ } أي: بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنهم إذا جاؤوك يحاجّونك ويناظرونك في الحق بالباطل. ثم فسر المجادلة بقوله: { يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي: أباطيلهم وأحاديثهم التي لا نظام لها. وعدُّ أحسن الحديث وأصدقه، من قبيل الأباطيل وهو الذيلاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [فصلت: 42] - رتبةُ من الكفر لا غاية وراءها.