الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

{ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ } أي: جاء يوم القيامة بالأعمال الحسنة { فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } يعني: عشر حسنات أمثالها في الحسن.

قال (المهايميّ): كمن أهدى إلى سلطان عنقود يعطيه بما يليق بسلطنته، لا قيمة العنقود. انتهى. والعشر أقل ما وعد من الأضعاف. وقد جاء الوعد بسبعين، وبسبعمائة وبغير حساب. ولذلك قيل: المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر في العدد الخاص { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ } أي: الأعمال السيئة { فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا } في القبيح.

قال المهايميّ: فمن كفر خلد في النار، فإنه ليس أقبح من كفره. كمن أساء إلى سلطان يقصد قتله. ومن فعل معصية عذب بقدرها كمن أساء إلى آحاد الرعية. انتهى.

{ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي: بنقص الثواب وزيادة العقاب.

لطيفة

قال القاشانيّ في قوله تعالى: { فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا }: هذا أقل درجات الثواب. وذلك أن الحسنة تصدر بظهور القلب والسيئة بظهور النفس. فأقل درجات ثوابها أنه يصل إلى مقام القلب الذي يتلو مقام النفس في الارتقاء، تلو مرتبة العشرات للآحاد في الأعداد، وأما في السيئة فلأنه لا مقام أدون من مقام النفس. فينحط إليه بالضرورة. فيرى جزاءه في مقام النفس بالمثل. ومن هذا يعلم أن الثواب من باب الفضل. فإنه يزيد به صاحبه ويتنوّر استعداده ويزداد قبوله لفيض الحق. فيتقوى على أضعاف ما فعل ويكتسب به أجوراً متضاعفة إلى غير نهاية، بازدياد القبول على فعل كل حسنة وزيادة القدرة والشغف على الحسنة عند زيادة الفيض إلى ما لا يعلمه إلا الله. كما قال بعد ذكر أضعافها إلى سبعمائة:وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ } [البقرة: 261]. وأن العقاب من باب العدل إذ العدل يقتضي المساواة. ومن فعل بالنفس، إذا لم يعف عنه، يجازي بالنفس سواء. انتهى.

تنبيه

وردت أحاديث كثيرة في معنى الآية: فروى الإمام أحمد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فيما يروي عن ربه تعالى: " إن ربكم تبارك وتعالى رحيم، من همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة. فإن عملها كتبت له عشرة إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة. ومن همّ بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له واحدة أو يمحوها الله ولا يهلك على الله إلا هالك " ورواه البخاريّ ومسلم والنسائيّ. وروى الإمام أحمد ومسلم عن أبي ذرّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تبارك وتعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد. ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر. ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً. ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً. ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة بعد أن لا يشرك بي شيئاً، لقيته بمثلها مغفرة "

السابقالتالي
2