الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ } يقرأ بفتح همزة (أن) والتشديد. ومحلها مع ما في حيزها الجرّ بحذف لام العلة. أي: ولأن هذا الذي وصيتكم به من الأمر والنهي طريقي وديني الذي ارتضيته لعبادي قويماً لا اعوجاج فيه، فاعملوا به. وجوز أن يكون محلها مع ما في حيزها النصب علىمَا حَرَّمَ } [الأنعام: 151] أي: وأتلو عليكم أن هذا صراطي. وقرئ بكسر الهمزة على الاستئناف. { وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } يعني: الأديان المختلفة أو طرق البدع والضلالات { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } أي: فتفرقكم عن صراطه المستقيم وهو دين الإسلام الذي ارتضاه لعباده. روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال: " هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً... } الآية " ورواه الحاكم وصححه.

لطائف

قال الكيا الهراسيّ: في الآية دليل على منع النظر والرأي، مع وجود النص.

قال ابن كثير: إنما وحّد (سبيله) لأن الحق واحد ولهذا جمع (السبل) لتفرقها وتشعبها. كما قال تعالى:ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ } [البقرة: 257].

قال ابن عطية: وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية، وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات، من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام. وهذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد.

قال قتادة: اعلموا أن السبيل سبيل واحد. جماعة الهدى، ومصيره الجنة. وأن إبليس استبدع سبلا متفرقة. جماعة الضلالة، ومصرها إلى النار. وروى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية وفي قوله:أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } [الشورى: 13] وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.

{ ذٰلِكُمْ } إشارة إلى ما ذكر من اتباع سبيله تعالى وترك اتباع سائر السبل { وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أي: اتباع سبل الكفر والضلالة. وفيه تأكيد أيضاً. روى الترمذيّ وحسنه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات:قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [الأنعام: 151] إلى قوله: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.

وروى الحاكم، وصححه عن ابن عباس قال: في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب ثم قرأ:قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ... } [الأنعام: 151] الآيات.

وروى الحاكم وصححه، وابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث؟ " ثم تلا قوله تعالى: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ... } [الأنعام: 151] حتى فرغ من ثلاث آيات. ثم قال: ومن وفى بهن فأجره على الله. ومن انتقص منهن شيئاً، فأدركه الله في الدنيا، كانت عقوبته. ومن أخره إلى الآخرة. كان أمره إلى الله. إن شاء أخذه وإن شاء عفا عنه ".

لطيفة

قال النسفيّ: ذكر أولاًتَعْقِلُونَ } [الأنعام: 151] ثمتَذَكَّرُونَ } [الأنعام: 152] ثم { تَتَّقُونَ } لأنهم إذا عقلوا تفكروا، ثم تذكروا، أي: اتعظوا، فاتقوا المحارم. انتهى.