الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

فقال تعالى: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } من الأوثان { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي: وأحسنوا بالوالدين إحسانا. قال الحاكم: والإحسان: ما يخرج عن حد العقوق، ومثل هذا قوله تعالى:وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } [لقمان: 15] ولما كان إيجاب الإحسان تحريماً لترك الإحسان، ذكر في المحرمات. وكذا حكم ما بعده من الأوامر. فإن الأمر بالشيء مستلزم للنهي عن ضده. بل هو عينه عند البعض. كأن الأوامر ذكرت وقُصِدَ لوازمها، ومن سر ذلك هنا - أعني وضع { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } موضع (النهي عن الإساءة إليهما) - المبالغة والدلالة عن أن ترك الإساءة في شأنهما غير كاف في قضاء حقوقهما، بخلاف غيرهما. { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ } أي: من أجل فقر، ومن خشيته. والمراد بالقتل: وأد البنات وهن أحياء، وكانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية. فنهاهم الله عن ذلك وحرمه عليهم { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } لأن رزق العبيد على مولاهم { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ } يعني: الزنى لقوله:وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } [الإسراء: 32]؛ وإنما جيء بصيغة الجميع قصداً إلى النهي عن أنواعه أو مبالغة أو باعتبار تعدد من يصدر منه { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } يعني: علانيته وسره { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ } أي: قتلها لإيمانها أو أمانها { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي: بالعدل. يعني: بالقَوَد والرجْم والارتداد { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } تلطفاً ورأفة { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } يعني: لتعقلوا عظمها عند الله تعالى فتكفّوا عن مباشرتها.

قال (المهايميّ): فالشرك وعقوق الوالدين وقتل الأولاد للفقر، منشؤه الجهل بما في الشرك من استهانة المنعم بالإيجاد، وبما في الإساءة إلى الأبوين من مقابلة الإحسان بالإساءة، وقربان الفواحش من متابعة الهوى، والقتل من متابعة الغضب؛ وكلها أضداد العقل.

تنبيه

قال بعض (الزيدية): قوله تعالى: { مِّنْ إمْلاَقٍ } خرج على العادة. وإلا فهو محرم، خشي الفقر أم لا. وقد دلت على تحريم قتل الأولاد.

قال (الحاكم): فيدخل في ذلك شرب الدواء لقتل الجنين. قال الإمام (يحيى): إذا نفخ فيه الروح دون إفساد النطفة والعلقة والمضغة قبل أن ينفخ فيها الروح. وفي (الأحكام) يجب على من انقطع حيضها أن توقى من الأدوية ما يخاف على الجنين منها، إذا كانت من ذوات البعول. وفي قوله تعالى: { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } تأكيد للزوم ما تقدم. انتهى.

لطيفة

قال القاشانيّ: لما كان الكلام مع المشركين في تحريم الطيبات، عدّد المحرمات ليستدل بها على المحللات. فحصر جميع أنواع الفضائل بالنهي عن أجناس الرذائل. وابتدأ بالنهي عن رذيلة القوة النطقية التي هي أشرفها. فإن رذيلتها أكبر الكبائر مستلزمة لجميع الرذائل. بخلاف رذيلة أخويها من القوتين البهيمية والسبعية. فقال: { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } إذ الشرك من خطئها في النظر، وقصورها عن استعمال العقل ودرك البرهان.

السابقالتالي
2