الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً } أي: طعاماً محرماً من المطاعم { عَلَىٰ طَاعِمٍ } أي: أيّ طاعم كان من ذكر أو أنثى. رداً على قولهم:وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا } [الأنعام: 139] وقوله: { يَطْعَمُهُ } لزيادة التقرير { إِلاَّ أَن يَكُونَ } أي: على ذلك الطعام { مَيْتَةً }. قال المهايميّ: والموت سبب الفساد. فهو منجس، إلا أن يمنع من تأثيره مانع من ذكر اسم الله، أو كونه من الماء، أو غيرهما { أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } أي: سائلا لا كبداً أو طحالاً { أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } لتعوّده أكل النجاسات { أَوْ فِسْقاً } أي: خروجاً عن الدين الذي هو كالحياة المطهّرة { أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } أي: ذبح على اسم الأصنام ورفع الصوت على ذبحه باسم غير الله وإنما سمي (ما أُهل به لغير الله) فسقاً، لتوغله في باب الفسق ومنه قوله تعالى:وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [الأنعام: 121] { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } أي: أصابته الضرورة الداعية إلى تناول شيء مما ذكر { غَيْرَ بَاغٍ } أي: على مضطر مثله، تارك لمواساته { وَلاَ عَادٍ } متجاوز قدر حاجته من تناوله { فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لا يؤاخذه. وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة البقرة والمائدة بما فيه كفاية.

تنبيهات

الأول: قال ابن كثير: الغرض من سياق هذه الآية الكريمة الردّ على المشركين الذين ابتدعوا ما ابتدعوه من تحريم البَحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك. فأمر تعالى رسوله أن يخبرهم أنه لا يجد فيما أوحاه إليه أن ذلك محرم. وأن الذي حرمه هو الميتة وما ذكر معها. وما عدا ذلك فلم يحرم. وإنما هو عفو مسكوت عنه. فكيف تزعمون أنه حرام؟ ومن أين حرمتموه ولم يحرمه تعالى؟ وعلى هذا، فلا ينفي تحريم أشياء أُخَر فيما بعد هذا. كما جاء النهي عن لحوم الحمر الأهلية ولحوم السباع وكل ذي مخلب من الطير - انتهى - وبالجملة فالآية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يجد فيما أوحي إليه إلى تلك الغاية غيره. ولا ينافيه ورود التحريم بعد ذلك في شيء آخر، كالموقوذة والمنخنقة والنطيحة وغيرها. وذلك لأن هذه السورة مكية. فما عدا ما ذكر تحريمه فيها مما حرم أيضاً، طارئ. قيل: إذا حرم غير ما ذكر كان نسخاً لما اقتضته هذه الآية من تحليله. وجوابه أن ذلك زيادة تحريم وليس بنسخ لما في الآية. فصحّ تحريم كل ذي ناب من السبع ومخلب من الطير. ومن الناس من يسمي هذا نسخاً بالمعنى السلفيّ. وقد بيناه مراراً.

قال بعض الزيدية: وقد تعلق ابن عباس بالآية في تحليل لحم الحمر الأهلية، وعائشة في لحوم السباع. وعكرمة في إباحة كل شيء سوى ما في الآية.

السابقالتالي
2 3 4