الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }

قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ } تمهيد لما سيأتي من تفصيل أحوال الأنعام. أي: هو الذي أنعم عليكم بأنواع النعم، لتعبدوه وحده، فخلق لكم بساتين من الكروم وغيرها معروشات، أي: مسموكات بما عملتم لها من الأعمدة. يقال: عرشت الكرم إذا جعلت له دعائم وسمكاً تعطف عليه القضبان. { وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ } متروكات على وجه الأرض لم تعرش. { وَ } أنشأ { ٱلنَّخْلَ } المثمر لما هو فاكهة وقوت، { وَٱلزَّرْعَ } المحصل لأنواع القوت { مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ } أي: ثمره وحَبّه في اللون والطعم والحجم والرائحة. { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً } في اللون والشكل، ورقهما { وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ } في الطعم { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ } أي: كلوا من ثمر كل واحد مما ذكر، إذا أدرك.

قال الرازيّ: لما ذكر تعالى كيفية خلقه لهذه الأشياء، ذكر ما هو المقصود الأصليّ من خلقها، وهو انتفاع المكلفين بها، فقال: { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ } واختلفوا ما الفائدة منه؟ فقال بعضهم: الإباحة. وقال آخرون: بل المقصود منه إباحة الأكل قبل إخراج الحق، لأنه تعالى لما أوجب الحق فيه كان يجوز أن يحرم على المالك تناوله، لمكان شركة المساكين فيه، بل هذا هو الظاهر. فأباح تعالى هذا الأكل، وأخرج وجوب الحق فيه من أن يكون مانعاً من هذا التصرف. وقال بعضهم: بل أباح تعالى ذلك ليبين أن المقصد بخلق هذه النعم إما الأكل، وإما التصدق، وإنما قدم ذكر الأكل على التصدق، لأن رعاية النفس مقدمة على رعاية الغير. قال تعالى:وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } [القصص: 77] انتهى.

{ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قرئ بفتح الحاء وكسرها. وهذا أمر بإيتاء من حضر يومئذ ما تيسر، وليس بالزكاة المفروضة - وهكذا قال عطاء - أي: لأن السورة مكية، والزكاة إنما فرضت بالمدينة. وكذا قال مجاهد: إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه. وفي رواية عنه: عند الحصاد يعطي القبضة، وعند الصرام يعطي القبضة. ويتركهم يتبعون آثار الصرام. وهكذا روي عن نافع وإبراهيم النخعي وغيرهم. وعند هؤلاء أن هذا الحق باقٍ لم ينسخ بالزكاة، فيوجبون إطعام من يحضر الحصاد لهذه الآية. ومما يؤيده أنه تعالى ذم الذي يصرمون ولا يتصدقون، حيث قصّ علينا سوء فعلهم وانتقامه منهم. قال تعالى في سورة (ن):إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلاَ يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } [القلم: 17-20] أي: كالليل المدلهمّ، سوداء محترقة.فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ * أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ * فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ... } [القلم: 21-24] الآيات.

وذهب بعضهم إلى أن هذا الحق نسخ بآية الزكاة، حكاه ابن جرير عن ابن عباس وثلة من التابعين.

السابقالتالي
2