الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }

{ وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ } أي: مثل ذلك التزيين, وهو تزيين الشرك في القسمة المتقدمة, زين لهم أولياؤهم من الشياطين ما هو أشد منه قبحاً في باب القربان, وهو قتل أولادهم خشية الإملاق, ووأد البنات خشية العار, وإنما سميت الشياطين شركاء, لأنهم أطاعوهم فيما أمروهم به من قتل أولادهم, فأشركوهم مع الله في وجوب طاعتهم, { لِيُرْدُوهُمْ } أي: يهلكوهم بالشرك وقتل الولد. من (الإرداء. وهو لغة: الإهلاك), { وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } أي: ليخلطوا عليهم ما هم عليه, بدين إبراهيم في ذبح إسماعيل عليهما السلام. أو ما وجب عليهم أن يتدينوا به؛ لأنهم كانوا على دين إسماعيل. فهذا الذي أتاهم بهذه الأوضاع الفاسدة أراد أن يزيلهم عن ذلك الدين الحق. { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ } أي: فلا تحزن على هلاكهم بما يفعلونه؛ لأنه بمشيئة الله، { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } أي: لأن له فيما شاءه حكماً بالغةأَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [آل عمران: 178] وفيه من شدة الوعيد ما لا يخفى.

تنبيه

{ شُرَكَآؤُهُمْ } فاعل (زَيَّنَ) أُخِّر عن الظرف والمفعول اعتناء بالمقدَّم، واهتماماً به؛ لأنه موضع التعجب؛ لأنهم يقدمون الأهمَّ، والذين هم بشأنه أعْنَى. وقرأ ابن عامر (وَحْدَهُ) (زُيِّن) على البناء للمفعول الذي هو القتل، ونصب الأولاد، وجر الشركاء بإضافة القتل إليه، مفصولاً بينهما بمفعوله. وقد زيّف الزمخشريّ، عفا الله عنه، هذه القراءة، وعد ذلك من كبائر كشافه حيث قال: وأما قراءة ابن عامر، فشيء لو كان في مكان الضرورات، وهو الشعر، لكان سمجاً مردوداً، كما سمج ورُدَّ:
* زج القَلُوصَ أبي مَزَادَهْ *   
فكيف به في الكلام المنثور؟ فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته؟

قال: والذي حمله على ذلك أنه رأى في بعض المصاحف (شُرَكائِهِم) مكتوباً بالياء، ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء - لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم - لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب. انتهى.

قال الناصر في (الانتصاف): لقد ركب الزمخشريّ متن عمياء، وتاه في تيهاء، وأنا أبرأ إلى الله، وأبرئ حملة كتابه، وحفظة كلامه، مما رماهم به، فإنه تخيل أن القراء أئمة الوجوه السبعة، اختار كل منهم حرفاً قرأ به اجتهاداً، لا نقلاً وسماعاً، فلذلك غلّط ابن عامر في قراءته هذه، وأخذ يبين أن وجه غلطه رؤيته الياء ثابتة في (شركائهم)، فاستدل بذلك على أنه مجرور، وتعين عنده نصب (أولادهم) بالقياس، إذ لا يضاف المصدر إلى أمرين معاً، فقرأه منصوباً، قال: وكانت له مندوحة عن نصبه إلى جره بالإضافة، وإبدال الشركاء منه، وكان ذلك أولى مما ارتكبه. فهذا كله كما ترى ظنٌّ من الزمخشري أن ابن عامر قرأ قراءته هذه رأياً منه، وكان الصواب خلافه، والفصيح سواه.

السابقالتالي
2 3