الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }

{ يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ } أي: في الدنيا { رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } بالأمر والنهي { وَيُنذِرُونَكُمْ } يخوفونكم { لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } وهو يوم الحشر الذي قد عاينوا فيه أفانين الأهوال. { قَالُواْ } يعني: الجن والإنس. { شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا } أي: أقررنا بإتيان الرسل وإنذارهم، وبتكذيب دعوتهم، كما فصِّل في قوله تعالى:قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ } [الملك: 9].

{ وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } أي: ما فيها من الزهرة والنعيم، وهو بيان لما أدّاهم في الدنيا إلى الكفر { وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ } أي: في الآخرة. قال المهايميّ: بعد شهادة جوارحهم { أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } أي: في الدنيا بما جاءتهم الرسل.

تنبيهات

الأول: استدل بقوله تعالى: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ } من قال إن الله بعث إلى الجن رسلاً منهم. وحكاه ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم، والأكثرون على أنه لم يكن من الجن رسول، وإنما كانت الرسل من الإنس فقط. نص على ذلك مجاهد وابن جريج وغير واحد من الأئمة، من السلف والخلف.

قال ابن عباس: الرسل من بني آدم، ومن الجن نُذُرٌ. وأجابوا عن ظاهر الآية بأن فيها مضافاً. أي: من أحدكم، وهم الإنس. أو من إضافة ما للبعض للكل، كقوله تعالى:يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ } [الرحمن: 22] وإنما يخرجان من أحدهما، وهو الملح دون العذب، وإنما جاز ذلك لأن ذكرهما قد جمع في قوله:مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } [الرحمن: 19] وهو جائز في كل ما اتفق في أصله. فلذلك لما اتفق ذكر الجن مع الإنس جاز مخاطبتهما بما ينصرف إلى أحد الفريقين، وهم الإنس. وهذا قول الفرّاء والزجاج.

وقال أبو السعود: المعنى: ألم يأتكم رسل من جملتكم، لكن لا على أنهم من جنس الفريقين معاً، بل من الإنس خاصة، وإنما جعلوا منهما، إما لتأكيد وجوب اتباعهم، والإيذان بتقاربهما ذاتاً، واتحادهما تكليفاً وخطاباً، كأنهما من جنس واحد؛ ولذلك تمكن أحدهما من إضلال الآخر. وإما لأن المراد بالرسل ما يعم رسل الرسل. وقد ثبت أن الجن استمعوا القرآن، وأنذروا به قومهم، حيث نطق به قوله تعالى:وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ... } [الأحقاف: 29] إلى قوله تعالى:وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } [الأحقاف: 29]. انتهى.

وهكذا في عهد كل رسول لا يبعد أنه تعالى كان يلقي الداعية في قلوب قوم من جنّ عصره فيسمعون كلامهم، ويأتون قومهم من الجن، ويخبرونهم بما سمعوه من الرسل، وينذرونهم به. وقد سمى تعالى رسل عيسى رسل نفسه فقال:إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ } [يس: 14] وتحقيق القول فيه: أنه تعالى إنما بكت الكفار بهذه الآية، لأنه تعالى أزال العذر، وأزاح العلة، بسبب أنه أرسل الرسل إلى الكل مبشرين ومنذرين.

السابقالتالي
2