الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

{ وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ } أي: من الإنس { بَعْضاً } أي: نجعلهم بحيث يتولونهم بالإغواء، والإضلال، كما فعل الشياطين وغواة الإنس، { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي: بسبب ما كانوا مستمرين على كسبه من الكفر والمعاصي.

قال الرازي: لأن الجنسية علة الضم. فالأرواح الخبيثة تنضم إلى ما يشاكلها في الخبث. وكذا القول في الأرواح الطاهرة، فكل أحد يهتم بشأن من يشاكله في النصرة والمعونة والتقوية.

تنبيه

قال السيوطيّ في (الإكليل): الآية معنى حديث " كما تكونون يولَّى عليكم " أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة من حديث أبي بكرة. انتهى.

وأسند في (الجامع الصغير) تخريجه إلى الديلميّ في (الفردوس) عن أبي بكرة، وإلى البيهقي عن أبي إسحاق السبيعيّ مرسلا - ورمز له بالضعف -.

وأسند في (الدر المنثور) عن منصور بن الأسود قال: سألت الأعمش عن قوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ } ما سمعتهم يقولون فيه؟ قال: سمعتهم يقولون: إذا فَسَدَ الناس أُمِّرَ عليهم شرارهم.

وأخرج نحوه عن مالك بن دينار وكعب والحسن.

قال أبو الليث السمرقندي في (تفسيره): ويقال في معنى الآية: نسلط على بعض الظالمين بعضاً فيهلكه أو يذلّه. قال: وهذا كلام لتهديد الظالم، لكي يمتنع عن ظلمه. ويدخل في الآية جميع من يَظْلِمُ: من راع في رعيته، وتاجر في تجارته، وسارق، وغيرهم.

قال الفضيل بن عياض: إذا رأيت ظالماً ينتقم من ظالم، فقف وانظر فيه متعجباً. انتهى.

وقال ابن كثير: معنى الآية الكريمة: كما ولينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطائفة التي أغوتهم من الجن، كذلك نفعل بالظالمين، نسلط بعضهم على بعض، ونهلك بعضهم ببعض، وننتقم من بعضهم ببعض، جزاء على ظلمهم وبغيهم.

ثم بين تعالى ما سيكون من توبيخ الكفار من الفريقين يوم القيامة، إثر بيان توبيخ الجن بإغواء الإنس وإضلالهم، وأعْلَمَ أنه لا يكون لهم إلى الجحود سبيل، فيشهدون على أنفسهم بالكفر، وأنهم لم يعذبوا إلا بالحجة، فقال تعالى:

{ يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا... }.