الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }

{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } أي: اذكر يا محمد فيما نقصه عليهم، وتنذرهم به، يوم نحشرهم جميعاً، يعني: الجن وأولياءهم من الإنس الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا، ويعوذون بهم، ويطيعونهم، ويوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً.

{ يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ } أي: نقول: يا معشر الجن، يعني: الشياطين. قال المهايميّ: خصهم بالنداء لأنهم الأصل في المكر. { قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ } أي: من إغوائهم وإضلالهم. أو منهم، بأن جعلتموهم أتباعكم، وأهل طاعتكم، وتسويلكم وتزيينكم الحطام الدنيوية، واللذات الجسمانية عليهم، ووسوستكم لهم بالمعاصي، فحشروا معكم. وهذا بطريق التوبيخ والتقريع.

{ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم } أي: الذين أطاعوهم وتولوهم { مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } قال الحسن: ما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن الجن أمرت، وعملت الإنس. أي: فالجن نالت التعظيم منهم فعبدت، والإنس بوسوستهم تمتعوا بإيثار الشهوات الحاضرة، على اللذات الغائبة { وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا } أي: بالموت، أو بالمعاد الجسمانيّ على أقبح صورة، وأسوأ عيش.

قال أبو السعود: قالوه اعترافاً بما فعلوا من طاعة الشياطين، واتباع الهوى، وتكذيب البعث، وإظهاراً للندامة عليها، وتحسراً على حالهم، واستسلاماً لربهم، ولعل الاقتصار على حكاية كلام الضالين، للإيذان بأن المضلين قد أفحموا بالمرة فلم يقدروا على التكلم أصلاً.

{ قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ } أي: منزلكم، كما أن دار السلام مثوى المؤمنين.

{ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } قال القاشانيّ: أي إلا وقت مشيئته أن تخفف، أو ينجي منكم من لا يكون سبب تعذيبه شركاً راسخاً في اعتقاده.

وقال المهايميّ: أي إلا وقت مشيئته أن ينقلكم منها إلى الزمهرير، انتقالكم من شهوة إلى أخرى.

وقال الزمخشري: أي: يخلدون في عذاب النار، الأبَد كلَّه، إلا الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب النار، إلى عذاب الزمهرير. فقد روي أنهم يدخلون وادياً فيه من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض، فيتعاوون ويطلبون الرد إلى الجحيم، أو يكون من قول الموتور الذي ظفر بواتره، ولم يزل يحرق عليه أنيابه، وقد طلب إليه أن ينفس عن خناقه: أهلكني الله إن نفست عنك إلا إذا شئت. وقد علم أنه لا يشأ إلا التشفي منه بأقصى ما يقدر عليه من التعنيف والتشديد. فيكون قوله (إلا إذا شئت) من أشد الوعيد، مع تهكم بالموعد، لخروجه في صورة الاستثناء الذي فيه إطماع. انتهى.

قال الخفاجيّ: لما كان الخطاب للكفرة، وهم لا يخرجون من النار؛ لأن ما قبله بيان حالهم، فيبعد جعله شاملاً للعصاة، ليصح الاستثناء باعتباره مع أن استعمال (ما) للعقلاء قليل - وَجَّهُوه بأن المراد النقل من النار إلى الزمهرير، أو المبالغة في الخلود، بمعنى أنه لا ينتفي إلا وقت مشيئة الله، وهو مما لا يكون مع إبرازه في صورة الخروج وإطماعهم في ذلك تهكماً وتشديداً للأمر عليهم.

السابقالتالي
2 3 4