{ قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: خلقاً وملكاً، وهو سؤال تبكيت وتقريع، { قُل للَّهِ } تقرير للجواب، نيابة عنهم. أي: هو الله، لا خلاف بيني وبينكم، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئاً منه إلى غيره. ففيه تنبيه على تعينه للجواب اتفاقاً، كما في قوله تعالى:{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [الزمر: 38]. ومن المقرر أن أمر السائل بالجواب إنما يحسن في موضع يكون فيه الجواب قد بلغ من الظهور إلى حيث لا يقدر على إنكاره منكر، ولا على دافعه دافع، كما هنا. قيل: وفيه إشارة إلى أنهم تثاقلوا في الجواب، مع تعينه، لكونهم محجوجين. وقوله تعالى: { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ }: جملة مستقلة داخلة تحت الأمر، ناطقة بشمول رحمته الواسعة لجميع الخلق، شمول ملكه وقدرته للكل، مسوقة لبيان أنه تعالى رؤوف بعباده، لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم التوبة والإنابة، وأن ما سبق ذكره، وما لحق من أحكام الغضب، ليس من مقتضيات ذاته تعالى، بل من جهة الخلق. كيف لا؟ ومن رحمته أن خلقهم على الفطرة السليمة، وهداهم إلى معرفته وتوحيده، بنصب الآيات الأنفسية والآفاقية، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب المشحونة بالدعوة إلى موجبات رضوانه، والتحذير عن مقتضيات سخطه. وقد بدلوا فطرة الله تبديلا، وأعرضوا عن الآيات بالمرة، وكذبوا بالكتب، واستهزؤوا بالرسل،{ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ } [الزخرف: 76]. ولولا شمول رحمته لسلك بهؤلاء أيضاً مسلك الغابرين. ومعنى: (كتب الرحمة على نفسِه) أنه تعالى أوجبها وقضاها بطريق التفضل والإحسان على ذاته المقدسة، بالذات، لا بتوسط شيء أصلا. وفي التعبير عن (الذات) بـ (النفس) حجة على من ادعى أن لفظ (النفس) لا يطلق على الله تعالى، وإن أريد به الذات، إلا مشاكلة. لما ترى من انتفاء المشاكلة ههنا - أفاده أبو السعود -. وقوله تعالى: { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ } جواب قسم محذوف. والجملة استئناف مسوق للوعيد، على إشراكهم وإغفالهم النظر، لأنه لما بين كمال إلهيته بقوله: { قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ } [الأنعام: 12]. ثم أخبر بأنه يرحمهم في الدنيا بالإمهال، ودفع عذاب الاستئصال، أعلم أنه يجمعهم لذلك اليوم، ويحاسبهم على كل ما فعلوا، لأن الملك الحكيم لا يهمل أمر رعيته، ولا يسوغ في حكمته أن يسوي بين المطيع والعاصي قيل: { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } جواب لقوله: { كَتَبَ } ، لأنه يجري مجرى القسم. وقيل: { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } بدل من الرحمة، بدل البعض. قال المهايميّ: كمال الرحمة في الجزاء، إذ بدونه تضيع مشاق المعارف الإلهية، والأعمال الصالحة، وتضيع المظالم، ولا جزاء في دار الدنيا؛ لأنه فرع التكليف، ودار التكليف لا تكون دار الجزاء؛ لأن مشاهدته مانعة من التكليف. انتهى. و (إلى) بمعنى اللام، كقوله: