الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي: لا تذكروا آلهتهم، التي يعبدونها، بما فيها من القبائح، لئلا يتجاوزوا إلى الجناب الرفيع.

روى عبد الرزاق عن قتادة قال: كان المسلمون يسبون أصنام الكفار، فنهوا عنه لذلك. وقال الزجاج: نهوا أن يلعنوا الأصنام التي كانت تعبدها المشركون. انتهى.

فـ { ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ } عبارة عن الآلهة، والعائد مقدر، والتعبير بـ { ٱلَّذِينَ } على زعمهم أنهم من أولي العلم، أو بناء على أن سبّ آلهتهم سبّ لهم، كما يقال: ضربُ الدابة صفعٌ لراكبها. فإن قيل: إنهم كانوا يقرّون بالله وعظمته، وأن آلهتهم إنما عبدوها لتكون شفعاء عنده، فكيف يسبونه؟ قلنا: لا يفعلون ذلك صريحاً، بل يفضي كلامهم إلى ذلك، كشتمهم له ولمن يأمره بذلك مثلاً. وقد فسر { بِغَيْرِ عِلْمٍ } بهذا، وهو حسن جداً. أو أن الغيظ والغضب ربما حملهم على سب الله صريحاً. ألا ترى المسلم قد تحمله شدة غضبه بالكفر؟!

و (عَدْواً) مصدر، أي: ظلماً وعدواناً. يقال: عدا عليه عدواً، كـ (ضرباً)، و (عدواً) كـ (عتوّ)، و (عداء) كـ (عزاء)، و (عدواناً) كـ (سبحان) إذا تعدى وتجاوز، وهو مفعول مطلق لـ (تسبوا) من معناه؛ لأن السب عدوان. أو مفعول له، أو حال مؤكدة مثل { بِغَيْرِ عِلْمٍ } - كذا في العناية -.

تنبيه

قال ابن الفرس في الآية: إنه متى خيف من سب الكفار وأصنامهم، أن يسبوا الله أو رسوله أو القرآن، لم يجز أن يُسَبوا ولا دينهم. قال: وهي أصل في قاعدة سد الذرائع.

قال السيوطيّ: وقد يستدل بها على سقوط وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إذا خيف من ذلك مفسدة أقوى. وكذا كل فعل مطلوب ترتب على فعله مفسدة أقوى من مفسدة تركه.

وقال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية: أن الحَسَن يصير قبيحاً إذا كان يحصل بفعله مفسدة.

قال الحاكم: نهوا عن سب الأصنام لوجهين: أحدهما: أنها جماد لا ذنب لها. والثاني: أن ذلك يؤدي إلى المعصية بسبّ الله تعالى.

قال: والذي يجب علينا بيان بغضها، وأنه لا تجوز عبادتها، وأنها لا تضر ولا تنفع، وأنها لا تستحق العبادة، وهذا ليس بسبّ. ولهذا قال أمير المؤمنين (يوم صفين): لا تسبوهم، ولكن اذكروا قبيح أفعالهم. انتهى.

وقال الزمخشريّ: فإن قلت: سب الآلهة حق وطاعة، فكيف صح النهي عنه، وإنما يصح النهي عن المعاصي؟ قل: رب طاعةٍ عُلِمَ أنها تكون مفسدة، فتخرج عن أن تكون طاعة، فيجب النهي عنها لأنها معصية، لا لأنها طاعة. كالنهي عن المنكر، هو من أجلّ الطاعات، فإذا علم أنه يؤدي إلى زيادة الشر انقلب إلى معصية، ووجب النهي عن ذلك، كما يجب النهي عن المنكر.

السابقالتالي
2