الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } تقدم القول في تأويل نظيره.

ثم أشار إلى بيان بعض آثار عزته تعالى، وإحكام حكمته، إثر وصفه بالعزة القاهرة، والحكمة الباهرة على الإطلاق، بقوله: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } يعني: بني النضير من اليهود { مِن دِيَارِهِمْ } أي: مساكنهم التي جاوروا بها المسلمين حول المدينة، لطفاً بهم { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } أي: لأول الجمع لقتالهم. يعني: أخرجهم تعالى بقهره لأول ما حُشِر لغزوهم. والتوقيت به إشارة إلى شدة الأخذ الربانيّ لهم، وقوة البطش والانتقام، بقذف الرعب في قلوبهم، حتى اضطروا لأول الهجوم عليهم، إلى الجلاء والفرار، كما يأتي.

{ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ } أي: لشدة بأسهم ومنعتهم، فصار آية لكم؛ لأنه من آثار سنته تعالى في إذلال المفسدين وقهرهم. { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ } أي: من بأسه { فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ } أي: عذابه، وهو الرعب والاضطرار إلى الجلاء { مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } أي: لم يظنوا { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } أي: أنزله إنزالاً شديداً فيها، لدلالة مادة (القذف) عليه، كأنه مقذوف الحجارة.

قال القاشانيّ: أي نظر بنظر القهر إليهم فتأثروا به، لاستحقاقهم لذلك، ومخالفة الحبيب ومشاقته ومضادته، ولوجود الشك في قلوبهم، وكونهم على غير بصيرة من أمرهم، وبينة من ربهم، إذ لو كانوا أهل يقين ما وقع الرعب في قلوبهم، ولعرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنور اليقين، وآمنوا به فلم يخالفوه.

{ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } أي: كيف حل بالمفسدين ما حل ونزل بهم ما نزل، لتعلموا صدق الله في وعده ووعيده.