الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ } أي: بطاعة الله، وما يقربكم منه، { وَٱلتَّقْوَىٰ } أي: اجتناب ما يؤثم، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي: فيجزيكم بما اكتسبتم مما أحصاه عليكم.

ثم شجع تعالى المؤمنين في قلة المبالاة بمناجاة أعدائهم، وأنها لا تضرهم ما داموا مثابرين على وصاياه، متكلين عليه، بقوله: { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ } أي: النجوى التي ذمها. فاللام للعهد. أي: المزين لهذه النجوى بالشر، والحامل عليها الشيطان. { لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ } أي: الشيطان، أو التناجي المذكور { شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي: بمشيئته { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي: بالمضي في سبيله، والاستقامة على أمره، وانتظار النصر على أثره.

لطيفة

قال القاشانيّ: إنما نهوا عن النجوى لأن التناجي اتصال واتحاد بين اثنين في أمر يختص بهما، لا يشاركهما فيه ثالث. وللنفوس عند الاجتماع والاتصال تعاضد وتظاهر، يتقوى ويتأيد بعضها بالبعض فيما هو سبب الاجتماع لخاصية الهيأة الاجتماعية التي لا توجد في الأفراد. فإذا كانت شريرة يتناجون في الشر، ويزاد فيهم الشر، ويقوى فيهم المعنى الذي يتناجون به بالاتصال والاجتماع؛ ولهذا ورد بعد النهي قوله: { تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ } الذي هو رذيلة القوى البهيمية { وَٱلْعُدْوَانِ } الذي هو رذيلة القوى الغضبية، { وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ } التي هي رذيلة القوة النطقية، بالجهل وغلبة الشيطنة. ألا ترى كيف نهى المؤمنين بعد هذه الآية عن التناجي بهذه الرذائل المذكورة، وأمرهم بالتناجي بالخيرات، ليتقووا بالهيأة الاجتماعية، ويزدادوا فيها فقال: { وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ } أي: الفضائل التي هي أضداد تلك الرذائل، من الصالحات والحسنات المخصوصة بكل واحدة من القوى الثلاث، { وَٱلتَّقْوَىٰ } أي: الاجتناب عن أجناس الرذائل المذكورة. انتهى.

قال ابن كثير: وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي، حيث يكون في ذلك تأذّ على مؤمن. روى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإن ذلك يحزنه " أخرجاه.

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناج اثنان دون الثالث إلا بإذنه، فإن ذلك يحزنه " انفرد بإخراجه مسلم.