الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي: شاقّهما وخالف أمرهما. أي: لا تجد قوماً جامعين بين الإيمان بالله واليوم الآخر، وبين موادّة أعداء الله ورسوله. والمراد بنفي الوجدان: نفي الموادّة، على معنى أنه لا ينبغي أن يتحقق ذلك، وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال، مبالغة في النهي عنه، والزجر عن ملابسته، والتوصية بالتصلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم، والاحتراس من مخالطتهم ومعاشرتهم. وزاد ذلك تأكيداً وتشديداً بقوله: { وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ } أي: آباء الموادّين. والضمير في { كَانُوۤاْ } لمن حاد الله ورسوله. والجمع باعتبار معنى (مَن) كما أن الإفراد فيما قبله، باعتبار لفظها. { أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } أي: فإن قضية الإيمان هجر المحادّين { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الذين لا يوادّونهم { كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } أي: أثبته فيها { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } أي: بنور وعلم ولطف حَيَّت به قلوبهم في الدنيا. وأشار إلى ما لهم في الآخرة بقوله: { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي: الناجحون الفائزون بسعادة الدارين.

تنبيهات

الأول: من أشباه هذه الآية قوله تعالى:لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران: 28] وقال تعالى:قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [التوبة: 24].

الثاني: قال ابن كثير: قال سعيد بن عبد العزيز وغيره: أنزلت هذه الآية { لاَّ تَجِدُ قَوْماً... } إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر. وفي أبي بكر الصديق، همّ يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن. وفي مصعب بن عمير، قتل أخاه عبيد بن عمير. وفي عمر قتل قريباً له من عشيرته يومئذ أيضاً. وفي حمزة وعليّ وعبيدة بن الحارث، قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ. انتهى.

وقد بينا مراراً؛ أن المراد بسبب النزول في مثل ذلك، صدق الآية على هؤلاء، وما أتوا به من التصلب في دين الله، في مقابلة المفسدين، ولو كانوا من أقرب الأقربين.

قال ابن كثير: ومن هذه القبيل حين استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في أسارى بدر، فأشار الصديق بأن يُفَادُوا، فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين، وهم بنو العم والعشيرة، ولعل الله تعالى أن يهديهم. وقال عمر: لا أرى ما رأى يا رسول الله! هل تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأقتله، وتمكن علياً من عقيل، وتمكن فلاناً من فلان، ليعلم الله أنه ليست في قلوبنا موادة للمشركين.

السابقالتالي
2