الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ }

{ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ } أي: من قحط وجدب ووباء وغلاء { وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ } أي: من خوف ومرض وموت أهل وولد، وذهاب مال { إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } أي: إلا في علم أزليّ من قبل خلق المصيبة أو الأنفس. وما علم الله كونه فلا بد من حصوله { إِنَّ ذَٰلِكَ } أي: حفظه وتقديره على الأنفس المبروءة ما قدر، { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي: لسعة علمه وإحاطته { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ } أي: تحزنوا { عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } أي: من عافية ورزق ونحوهما { وَلاَ تَفْرَحُواْ } أي: تبطروا { بِمَآ آتَاكُمْ } أي: من نعم الدنيا. والمعنى: أعلمناكم بأنا قد فرغنا من التقدير، فلا يتصور فيه تقديم ولا تأخير ولا تبديل ولا تغيير، فلا الحزن يدفعه، ولا السرور يجلبه ويجمعه. قال القاشانيّ: أي: لتعلموا علماً يقينياً أن ليس لكسبكم وحفظكم وحذركم وحراستكم فيما آتاكم، مدخل وتأثير. ولا لعجزكم وإهمالكم وغفلتكم وقلة حيلتكم، وعدم احترازكم واحتفاظكم فيما فاتكم مدخل. فلا تحزنوا على فوات خير، ونزول شر، ولا تفرحوا بوصول خير. وزوال شر، إذ كلها مقدرة { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ } أي: متبختر من شدة الفرح بما آتاه { فَخُورٍ } أي: به على الناس، لعدم يقينه، وبعده عن الحق، بحب الدنيا، واحتجابه بالظلمات عن النور.

{ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } أي: بالإنفاق في سبيل الله، لشدة محبة المال { وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } أي: لاستيلاء الرذيلة عليهم. والموصول إما مبتدأ وخبره محذوف، أي: لهم وعيد شديد، أو خبر ومبتدؤه محذوف، أي: هم الذين، أو بدل من (كل). { وَمَن يَتَوَلَّ } أي: يعرض عن ذكر الله، وما أمر به { فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } أي: عنه؛ لاستغنائه بذاته { ٱلْحَمِيدُ } أي: لاستقلاله بكماله. وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإنفاق لمصلحة المنفق، لا لما يعود عليه تعالى، فإنه الغنيّ المطلق.