الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }

{ أَلَمْ يَأْنِ } أي: ألم يحن. من (أنى الأمر) يأنى، إذا جاء إناه، أي: وقته { لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } أي: أن تلين وترقّ وتخلص قلوبهم لذكر اسمه الكريم وما يوجبه من الوجل منه والخشية، أو لذكر وعده ووعيده. { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ } يعني: القرآن الذي لو أنزل على جبل لتصدع. قال أبو السعود: ومعنى الخشوع له: الانقياد التامّ لأوامره ونواهيه، والعكوف على العمل بما فيه من الأحكام، التي من جملتها ما سبق وما لحق من الإنفاق في سبيل الله تعالى. وقد قيل: إن عطفه على الذكر عطف أحد الوصفين على الآخر، وأن ذكر الله ككلام الله، بمعنى: القرآن. وكذا ما نزل من الحق، فالعطف لتغاير العنوانين، فإنه ذكر وموعظة، كما أنه حق نازل. { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ } أي: الأجل والإمهال والاستدراج { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي: لزوال الخشية والروعة التي كانت تأتيهم من الكتابين { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي: خارجون عن دينهم، نابذون لما في كتابهم.

تنبيه

قال ابن كثير: في الآية نهي للمؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى، فإنهم لما تطاول عليهم الأمد، وبدلوا كتاب الله الذي بأيديهم، واشتروا به ثمناً قليلاً، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المختلفة، والأقوال المؤتفكة، وقلدوا الرجال في دين الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، فقست قلوبهم، وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه، ولهذا نهى المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية، ونظير الآية قوله تعالى:فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ... } [النساء: 155، والمائدة: 13] إلى آخرها.