الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

{ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } يريدون موافقتهم في الظاهر { قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } أي: محنتموها النفاق وأهلكتموها { وَتَرَبَّصْتُمْ } أي: بالمؤمنين الدوائر، ليظهر الكفر فتظهروا ما في أنفسكم { وَٱرْتَبْتُمْ } أي: في توحيد الله، ونبوة نبيّه، أو في البعث بعد الموت، أو في قوله:لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } [التوبة: 33، والفتح: 28] ووعده بنصر المؤمنين، أو في جميع ذلك. { وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ } أي: طول الآمال، والطمع في امتداد الأعمار. أو قولهم: (سيغفر لنا). { حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } يعني: الموت، أو مصداق وعده بنصره رسوله، وإظهاره دينه، أو عذاب النار { وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } أي: الشيطان، فأطمعكم بالنجاة والفوز والغلبة. وقرئ: " الغُرور " بالضم. { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ } هذا من تتمة قول المؤمنين للمنافقين، بعد أن ميز بينهم. أي: فاليوم لا يقبل منكم ما يفتدى به، بدلاً من عذابكم، وعوضاً من عقابكم { وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: المجاهرين بالكفر من المحادّين لله ولرسوله { مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ } أي: أولى بكم، أو تتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي: النار.

ثم نعى عليهم رخاوة عقدهم فيما ندبوا إليه من التصدق في سبيل الله، بأن ذلك من أثر قلة العناية بالخضوع لذكره وتنزيله، تعريضاً بالمنافقين، وسوقاً للمؤمنين إلى الكمال، فقال سبحانه: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ... }.