الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ }

{ يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أي: نُصِبْ منه. يقال: اقتبس، أي: أخذ قبساً، وهو الشعلة. و { ٱنظُرُونَا } بمعنى: انظروا إلينا، على الحذف والإيصال؛ لأن النظر بمعنى مجرد الرؤية، يتعدى بـ (إلى) فإن أريد التأمل تعدى بـ (في). وقولهم ذلك، إما حينما يساق المؤمنون إلى الجنة زمراً، والمنافقون في العرصات شاخصون إليهم، أو حينما يشرفون من الغرف على المنافقين، وهم في ضوضائهم وجلبتهم في جهنم، كقوله تعالى:وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ... } [الأعراف: 50] الآية.

وقيل: { ٱنظُرُونَا } بمعنى: انتظرونا، وهو الذي عول عليه ابن جرير. والمراد حينئذ من الانتظار للاقتباس، هو رجاء شفاعتهم لهم، أو دخولهم الجنة معهم طمعاً في غير مطمع، يقولون لهم ذلك حينما يسرع بهم إلى الجنة.

{ قِيلَ } أي: قالت الملائكة أو المؤمنون، { ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } قال الزمخشري: طردٌ لهم، وتهكم بهم. أي: ارجعوا إلى الموقف إلى حيث أعطينا هذا النور فالتمسوه هناك، فمن ثم يقتبس. أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا نوراً بتحصيل سببه، وهو الإيمان. أو ارجعوا خائبين، وتنحوا عنا، فالتمسوا نوراً آخر، فلا سبيل لكم إلى هذا النور وقد علموا أن لا نور وراءهم، وإنما هو تخييب وإقناط لهم. وكلامه يدل على حمل النور على حقيقته. ولا مانع من أنه كني به عن الإيمان والعمل الصالح. أي: ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا إيماناً وعملاً طيباً يهديكم إلى النجاة، كما أن النور يهدي في الظلمات على طريق الاستعارة. والأمر للتخسير والتنديم. وهذا مع ما ذكره الزمخشريّ رحمه الله، وجه رابع.

ونقل الرازي: عن أبي مسلم؛ أن المراد من قول المؤمنين { ٱرْجِعُواْ } منع المنافقين عن الاستضاءة كقول الرجل لمن يريد القرب منه: وراءك أوسع لك. قال الرازي: فعلى هذا القول، المقصودُ من قوله: { ٱرْجِعُواْ } أن يقطعوا بأنه لا سبيل لهم إلى وجدان هذا المطلوب؛ لأنه أمر لهم بالرجوع. انتهى. وهذا وجه خامس.

ثم أشار إلى امتياز الفريقين في المنازل وتباينهما فيها، بقوله سبحانه: { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } أي: بين المؤمنين والمنافقين بحائط متين، يحجزهم عن أنوار المؤمنين، لتتم ظلمتهم { لَّهُ } أي: لذلك السور { بَابٌ } أي: لأهل الجنة يدخلون منه، ويرى به المنافقون المؤمنين ليكلموهم { بَاطِنُهُ } وهو الجانب الذي يلي المؤمنين { فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } يعني: الجنة وما فيها من رضوان الله والنعيم المقيم. { وَظَاهِرُهُ } وهو الذي يلي المنافقين، { مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } أي: من عنده، ومن جهته الظلمة والنار.