الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } * { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } * { وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } * { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ }

{ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً } أي: أصنافاً { ثَلاَثَةً * فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } تقسيم وتنويع للأزواج الثلاثة، مع الإشارة الإجمالية إلى أحوالهم قبل تفصيلها. وإطلاق { ٱلْمَيْمَنَةِ } و { ٱلْمَشْأَمَةِ } اللتين هما الجهتان المعروفتان، على منزلة السعداء الذين هم الأبرار والمصلحون من الناس، وعلى دركة الأشقياء الذين هم الأشرار والمفسدون من الناس - أصله من تيمُّنِ العرب باليمين، وتشاؤمهم بالشمال، كما في السانح والبارح، وقولهم للرفيع: هو مني باليمين، وللوضيع: هو مني بالشمال، تجوّزاً به، أو كناية به عما ذكر.

وقيل: الميمنة والمشأمة بمعنى: اليمن والشؤم، فليس بمعنى الجهة، بل بمعنى البركة وضدها، لما عاد عليهم من أنفسهم وأفعالهم. و في جملتي الاستفهام إشارة إلى ترقي أحوالهما في الخير والشر، تعجُّباً منه.

{ وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } أي: الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة، بعد ظهور الحق، وأوذوا لأجله، وصبروا على ما أصابهم، وكانوا الدعاة إليه.

فإن قيل: لم خولف بين المذكورين في السابقين، وفي أصحاب اليمين، مع أن كل واحد منهما إنما أريد به التعظيم والتهويل لحال المذكورين؟

فنقول: التعظيم المؤدي بقوله: { ٱلسَّابِقُونَ } أبلغ من قرينه. وذلك أن مؤدي هذا أن أمر السابقين، وعظمة شأنه، ما لا يكاد يخفى. وإنما تحير فهم السامع فيه مشهور. وأما المذكور في قوله: { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } فإنه تعظيم على السامع بما ليس عنده منه علم سابق. ألا ترى كيف سبق بسط حال السابقين بقوله: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } فجمع بين اسم الإشارة المشار به إلى معروف، وبين الإخبار عنه بقوله: { الْمُقَرَّبُونَ } معرفاً بالألف واللام العهدية؟ وليس مثل هذا مذكوراً في بسط حال أصحاب اليمين، فإنه مصدر بقوله:فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } [الواقعة: 28] أفاده الناصر.

و { ٱلسَّابِقُونَ } الثاني إما خبر، أي الذين عرفت حالهم، واشتهرت أوصافهم على حدّ (وشِعري شعري)، أو تأكيد، والخبر قوله:

{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } أي: الذين يقرّبهم الله منه بإعلاء منازلهم { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ }.