{ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ } أي: عن القرون الخالية، والحقائق الكونية، مما يستحيل أن يأتي به أميّ غيره صلوات الله عليه { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } أي: مرتدع عما هم مقيمون عليه من التكذيب والغفلة واللهو { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } أي: بلغت غايتها من الإحكام والتنزه عن الخلل، ومن الاشتمال على البراهين القاطعة والحجج الساطعة، وهو بدل من (ما) أو خبر محذوف، أي: هو حكمة بالغة { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } جمع نذير. و (ما) نافية، أو استفهامية، أي: أيّ غناء تغني عن قوم آثروا الضلالة على الهدى، فأعرضوا عنه، وكذبوا به. وجوز أن تكون { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } جملة مستأنفة للتعجب من حالهم، مع ما جاءهم مما يقود إلى الإيمان بادئ بدء. وهو ما يفهم من تأويل ابن كثير، وعبارته: { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } أي: في هدايته تعالى لمن هداه، وإضلاله لمن أضله { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } يعني أي: شيء تغني النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة، وختم على قلبه، فمن ذا الذي يهديه من بعد الله؟ و هذه الآية كقوله تعالى:{ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } [النحل: 9] وكذا قوله تعالى:{ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [يونس: 101].