الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ }

{ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } في المخاطب بهذا، أقوال ثلاثة:

أحدها: أنه النبيّ صلى الله عليه وسلم، أتى بهذه الجملة معترضة في خلال أمر النبأ الأُخرويّ، تنويهاً بمِنَّة الإعلام بذلك، والتعريف به، ثم شدة نفوذ البصر به، والوقوف على غوامضه، بعد خلوِّ الذهن عنه رأساً. والمعنى: لقد كنت في غفلة من هذا القرآن قبل أن يوحى إليك، فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك؛ فبصرك اليوم حديد، نافذ قويّ، ترى ما لا يرون، وتعلم ما لا يعلمون. ومثله آيةمَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [الشورى: 52].

وثانيها: أنه الكافر، وأن الكلام على تقدير القول، أي: يقال له: لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم من الأهوال، فكشفنا عنك غطاءك بأن جلينا لك ذلك، وأظهرناه لعينيك، حتى رأيته وعاينته، فزالت الغفلة عنك. ومثله عن الكفار آيةأَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } [مريم: 38]، وآيةوَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } [السجدة: 12].

وثالثها: أنه الإنسان مطلقاً، لقوله: { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ } ، والمقصود أنه كشف الغطاء عن البرَََِّ والفاجر، ورأى كل ما يصير إليه.

وعوَّل ابن جرير في الأولوية على الثالث.

قال الزمخشريّ: جعلت الغفلة كأنها غطاء غطى بها جسده كله، أو غشاوة غطى بها عينيه، فهو لا يبصر شيئاً، فإذا كان يوم القيامة تيقظ، وزالت الغفلة عنه وغطاؤها، فيبصر ما لم يبصره من الحق.

وقال القاشانيّ في تأويل الآية: { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } لاحتجابك بالحس والمحسوسات، وذهولك عنه؛ لاشتغالك بالظاهر عن الباطن { فَكَشَفْنَا عَنكَ } بالموت { غِطَآءَكَ } الماديّ الجسمانيّ الذي احتجبت به { فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } أي: إدراكك لما ذهلت عنه ولم تصدِّق بوجوده، قويّ تعاينه. انتهى.