الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ } أي: مداراً لقيام أمر دينهم بالحج إليه، ودنياهم بأمن داخله وعدم التعرض له وجَبْي ثمرات كلّ شيء إليه.

قال المهايميّ: جعله الله مقام التوجه إليه في عبادته للناس المتفرقين في العالم، ليحصل لهم الاجتماع الموجب للتألف، الذي يحتاجون إليه في تمدّنهم، الذي به كمالُ معاشهم ومعادهم، لاحتياجهم إلى المعاونة فيهما.

{ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } بمعني: الأشهر الحرم - ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب - قياماً لهم بأمنهم من القتال فيها؛ لأنه حرم فيها ليحصل التآلف فيها { وَٱلْهَدْيَ } وهو ما يهدي إلى مكة { وَٱلْقَلاَئِدَ } جمع قلادة. وهي ما يجعل في عنق البدنة التي تهدي وغيره، والمراد بـ { وَٱلْقَلاَئِدَ }: ذوات القلائد وهي البدن، خصت بالذكر لأن الثواب فيها أكثر، وبهاء الحج بها أظهر. والمفعول الثاني محذوف، ثقةً بما مرّ، أي: جعل الهدي والقلائد أيضاً قياماً لهم. فإنهم كانوا يأمنون بسَوْق الهدي إلى البيت الحرام على أنفسهم. وفيه قوام لمعيشة الفقراء ثَمَّت. وكذلك كانوا يأمنون إذا قلدوها أو قلّدوا أنفسهم، عند الإحرام، من لحاء شجر الحرم. فلا يتعرض لهم أحد { ذٰلِكَ } أي: الجَعْل المذكور { لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فإنّ جعله ذلك لجلب المصالح لكم ودفع المضار عنكم قبل وقوعها، دليلٍ على علمه بما هو في الوجود وما هو كائن.

وقد جوّد الرازيّ تقرير هذا المقام فأبدع، فلينظر.

وقوله تعالى: { وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } تعميمٌ إثر تخصيصٍ للتأكيد.