الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } تقدم الكلام على اللغو في اليمين في (سورة البقرة) وإنه ما يسبق إليه اللسان بلا قصد الحلف، كقول الإنسان: لا، والله! وبلى والله! والمراد بالمؤاخذة: مؤاخذة الإثم والتكفير، أي: فلا إثم في اللغو ولا كفارة { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ } أي: بتعقيدكم الأَيْمَانَ وتوثيقها عليه بأن حلفتم عن قصدٍ منكم، أي: إذا حنثتم. أو بنكث ما عقدتم، فحذف للعلم به. وقرئ بالتخفيف، وقرئ (عاقدتم) بمعنى: عقدتم { فَكَفَّارَتُهُ } أي: فكفارة نكثه، أي: الخصلة الماحية لإثمه: { إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } يعني: محاويج من الفقراء ومن لا يجد ما يكفيه { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } أي: لا من أجوده فضلا عما تخصونه بأنفسكم. ولا من أردأ ما تطعمونهم فضلا عن الذي تعطونه السائل { أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أي: عتقها { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } أي: شيئاً مما ذكر { فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ } كفارته { ذٰلِكَ } أي: المذكور { كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ } أي: التي اجترأتم بها على الله تعالى { إِذَا حَلَفْتُمْ } أي: وحنثتم { وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ } أي: عن الإكثار منها - أو عن الحنث - إذا لم يكن ما حلفتم عليه خيراً، لئلا يذهب تعظيم اسم الله عن قلوبكم { كَذٰلِكَ } أي: مثل هذا البيان الكامل { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ } أي: أعلام شرائعه { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي: نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج.

قال المهايميّ: أي: تشكرون نعمه بصرفها إلى ما خلقت له، ومن جملتها صرف اللسان، الذي خلق لذكر الله وتعظيمه، إلى ذلك. فإذا فات صرف بعض ما ملكه إلى بعض ما يجبره ليقوم مقام الشكر باللسان، إذ به يتم تعظيمه. فإذا لم يجد كسر هوى النفس من أجله فهو أيضاً من تعظيمه. فافهم.

وفي هذه الآية مباحث

الأول: معنى: (أو) التخيير وإيجاب إحدى الكفارات الثلاث. فإذا لم يجدا انتقل إلى الصوم.

فأما الإطعام فليس فيه تحديد بقدر. لا في وجبة ولا وجبتين، ولا في قدر من الكيل.

ولذا روي عن الصحابة والتابعين فيه وجوه. جميعها مما يصدق عليه مسماه. فبأيها أخذ أجزأه. فمنها ما رواه ابن أبي حاتم عن عليّ رضي الله عنه قال: يغديهم ويعشيهم. كأنه ذهب - رضي الله عنه - إلى المراد بالإطعام الكامل - أعني قوت اليوم وهو وجبتان - وإلا فالإطعام يصدق على الوجبة الواحدة.

ولذا قال الحسن ومحمد بن الحنفية: يكفيه إطعامهم أكلة واحدة خبزاً ولحماً. زاد الحسن: فإن لم يجد فخبزاً وسمناً ولبناً، فإن لم يجد فخبزاً وزيتاً وخلا حتى يشبعوا.

وعن عمر وعلي أيضاً وعائشة وثلّة من التابعين: يطعم كل واحد من العشرة نصف صاع من بر أو تمر أو نحوهما.

السابقالتالي
2 3 4