الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }

{ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً } أي: كلوا ما حل لكم وطاب مما رزقكم الله. فيكون (حَلالاً) مفعول (كُلُوا) و (مِمَّا) حال منه، أو متعلقة بـ (كُلُوا)، أو هو المفعول و (حَلالاً) حال من (مَا) أو من عائده المحذوف، أو صفة لمصدر محذوف، أي: أكْلاً حلالا. وقوله تعالى: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } تأكيد للتوصية بما أمر به. وزاده تأكيداً بقوله: { ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } لأن الإيمان به يوجب التقوى، في الانتهاء إلى ما أمر به وعما نهى عنه.

قال المهايميّ: مقتضى إيمانكم ألا تغيروا شيئاً من أحكام دينكم، وألا تعارضوا في أحكامه ولو بكراهة من أنفسكم، وأن تتقوه في وضع قواعد تخالف قواعد الشرع، بل غاية ما يجوز أخذ معان من علم الشريعة مؤكدة لمقتضاه.

تنبيهات

الأول: فيما روي في سبب نزولها:

أخرج الترمذيّ عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي فحرمتُ عليّ اللحم. فأنزل الله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ... } [المائدة: 87] الآية.

وروى ابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: " نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، قالوا: نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض كما تفعل الرهبان. فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم. فأرسل إليهم، فذكر لهم ذلك فقالوا: نعم. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام وأنكح النساء. فمن أخذ بسنتي فهو مني ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني " وروى ابن مردويه نحوه.

وفي (الصحيحين) من حديث عائشة رضي الله عنها؛ " أنّ ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم عن عمله في السرّ؟ فقال بعضهم: لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: " ما بال أقوامٍ يقول أحدهم كذا وكذا؟ لكني أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآكل اللحم، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنّتي فليس مني " ".

وروى ابن أبي حاتم؛ أن عبد الله بن مسعود جاءه معقل بن مقرن فقال: إني حرمت فراشي، فتلا عليه هذه الآية.

وأخرج أيضاً عن مسروق قال: كنا عند عبد الله بن مسعود. فجيء بضرعٍ فتنحّى رجل. فقال عبد الله: ادن. فقال: إني حرمت أن آكله. فقال عبد الله: ادن فاطعَم وكفّر عن يمينك. وتلا هذه الآية. ورواه الحاكم أيضاً.

الثاني: قال بعض الزيدية: ثمرة الآية: النهي عن تحريم الطيبات من الحلال.

السابقالتالي
2 3