الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }

{ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } أي: لا ينهي بعضهم بعضاً عن ارتكاب المآثم والمحارم. ثم ذمّهم على ذلك ليحذر من ارتكاب مثل الذي ارتكبوه فقال: { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } مؤكداً بلام القسم. تعجيباً من سوء فعلهم، كيف وقد أدّاهم إلى ما شرح من اللعن الكبير.

تنبيهات

الأول: دلت الآية على جواز لعنهم.

الثاني: دلت الآية أيضاً على المنع من الذرائع التي تبطل مقاصد الشرع. لما رواه أكثر المفسرين؛ أن الذين لعنهم داود عليه السلام أهل أيلة الذين اعتدوا في السبت واصطادوا الحيتان فيه. وستأتي قصتهم في (الأعراف).

الثالث: دلت أيضاً على وجوب النهي عن المنكر.

قال الحاكم: وتدل على أن ترك النهي من الكبائر.

الرابع: روى الإمام أحمد في معنى الآية عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما وقعت بنوا إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، أو في أسواقهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، { ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } [المائدة: 78] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس فقال: " لا، والذي نفسي بيده! حتى تَأطِرُوهم على الحق أطرا " أي: تعطفوهم عليه. ورواه الترمذيّ وقال: حسن غريب.

وأخرجه أبو داود عنه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقي الرجل فيقول: يا هذا، اتّقِ اللهَ، وَدَعْ ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض " ثم قال: { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... } - إلى قوله -: { فَاسِقُونَ } [المائدة: 81]. ثم قال: " كلا والله! لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطِرنّهِ على الحق أطراً، أو تقصرنّه على الحق قصراً " زاد في رواية: " أو ليضربنّ الله قلوب بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم ".

وكذا رواه الترمذيّ وحسّنه، وابن ماجة.

والأحاديث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة، ومما يناسب منها هذا المقام:

ما رواه الإمام أحمد والترمذيّ عن حذيفة بن اليمان: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده! لتأمرنّ بالمعروف ولتنهوُنّ عن المنكر، أو ليُوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لَتَدْعُنّه فلا يستجيب لكم ".

وفي (الصحيحين) عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده. فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ".


السابقالتالي
2