الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ }

{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } أي: الذي هو ميزان العدل { لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } أي: لا تتجاوزوا الحد في تعظيم عيسى وأمه وترفعوهما عن رتبتهما إلى ما تقوّلتم عليهما من العظيمة، فأدخلتم في دينكم اعتقاداً غير الحق بلا دليل عليه، مع تظاهر الأدلة على خلافه. ونصب (غير) على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: غلوّاً غير الحق. يعني غلوّاً باطلا. أو حال من ضمير الفاعل أي: مجاوزين الحق. و (الغلو) نقيض التقصير، ومعناه الخروج عن الحد، وذلك لأن الحق بين طرفي الإفراط والتفريط، ودين الله بين الغلو والتقصير.

تنبيه

دلت الآية على أن الغلوّ في الدين غلوَّانِ: (غلوّ حق) كأن يفحص عن حقائقه ويفتش عن أباعد معانيه ويجتهد في تحصيل حججه؛ و (غلوّ باطل) وهو أن يتجاوز الحق ويتخطاه بالإعراض عن الأدلة واتباع الشبه.

قال بعض الزيدية: دلت الآية على أن الغلو في الدين لا يجوز، وهو المجاوزة للحق إلى الباطل. ومن هذا، الغلوُّ في الطهارة مع كثير من الناس، بالزيادة على ما ورد به الشرع لغير موجب. انتهى.

ومن هذا القبيل: الغلوّ في تعظيم الصالحين وقبورهم حتى يصيّرها كالأوثان التي كانت تعبد.

وروى الإمام أحمد والنسائيّ وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " إيّاكم والغلوّ في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلوّ في الدين ".

وعن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله " أخرجاه.

ولمسلم عن ابن مسعود؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هلك المتنطّعون " قالها ثلاثاً. ثم نهاهم تعالى عن اتباع سلفهم وأئمتهم الضالين بقوله سبحانه:

{ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ } ، قال المهايميّ: أي: تقليداً { أَهْوَآءَ قَوْمٍ } تمسّكوا بخوارقهما على إلهيتهما. فإن نظروا إلى سبقهم فغايتهم أنهم { قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَ } إلى كثرة أتباعهم فغايتهم أنهم { أَضَلُّواْ كَثِيراً } ممن شايعهم على التثليث { وَ } إلى تمسّكهم بمتشابهات الإنجيل، فغايتهم أنهم { ضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } إذْ لم يردّوها إلى المحكمات.

تنبيهات

الأول: قال الرازي: الأهواء - ههنا - المذاهب التي تدعو إليها الشهوة دون الحجّة. قال الشعبيّ: ما ذكر الله لفظ الهوى في القرآن إلا ذمّه. قال:وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ص: 26].وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ } [طه: 16].وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [االنجم: 3].أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الفرقان: 43]. قال أبو عبيدة: لم نجد الهوى يوضع إلا في موضع الشر. لا يقال: فلان يهوي الخير. إنما يقال: يريد الخير ويحبه. وقال بعضهم: الهوى إله يعبد من دون الله.

السابقالتالي
2