الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ }

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } أي: أقاموا أحكامهما وحدودهما وما فيهما من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأصل الإقامة: الثبات في المكان. ثم استعير إقامة الشيء لتوفية حقه { وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ } أي: بيّنوا ما بيّن لهم ربهم في التوراة والإنجيل. ويقال: أقروا بجملة الكتب والرسل من ربهم، ويقال: هو القرآن { لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } لوسَّع عليهم أرزاقهم، بأن يفيض عليهم بركات من السماء والأرض، ويكثر ثمرة الأشجار وغلة الزروع. أو يرزقهم الجنان اليانعة الثمار، فيجتنونها من رأس الشجر، ويلتقطون ما تساقط على الأرض. وَجَعْلُ (من فوقهم ومن تحت أرجلهم) بمعنى: الأمطار والأنهار التي تحصل بها أقواتهم - بعيدٌ من الأكل. والأقرب الوجوه الثلاثة المتقدمة. ونبه تعالى بذلك على أن ما أصابهم من الضنك والضيق، إنما هو بشؤمِ مَعَاصيهم وكفرهم، لا لقصور في فيض الكريم، تعالى. ودلت الآية على أن العمل بطاعة الله تعالى سبب لسعة الرزق، وهو كقوله تعالى:وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 96]،وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [الطلاق: 2-3]،فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً... } [نوح: 10] الآيات،وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } [الجن: 16].

روى الإمام أحمد عن زيادة بن لبيد أنه قال: " ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: " وذاك عند ذهاب العلم ". قال: قلنا: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونُقرئه أبْنَاءَنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ فقال: " ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد! إن كنتُ لأراك من أفقه رجل بالمدينة. أَوَليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل، لا ينتفعون مما فيهما بشيء " ".

وفي رواية ابن أبي حاتم: " " أو ليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى؟ فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله "؟ ثم قرأ: { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ... } الآية ".

{ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ } أي: طائفة { مُّقْتَصِدَةٌ } أي: عادلة مستقيمة، وهم من آمن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، كعبد الله بن سلام والنجاشيّ وسلمان { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ } أي: بئس { مَا يَعْمَلُونَ } أي: من تحريف الحق والإعراض عنه والإفراط في العداوة. والآية كقوله تعالى:وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [الأعراف: 159].