الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ }

{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ } المخاطب بكاف الجمع: أهل الكتاب المتقدم ذكرهم، أو الكفار مطلقاً، أو المؤمنون. والمشار إليه الأكثر الفاسقون. وتوحيد اسم الإشارة لكونه يُشارُ بِهِ إلى الواحد وغيره، أو لتأويله بالمذكور ونحوه. وفي الكلام مقدر أي: بشرٍّ من حال هؤلاء. وقيل: المشار إليه المتقدمون الذين هم أهل الكتاب، يعني: أنّ السلف شرٌ من الخلف. وجعله الزمخشريّ إشارة إلى المنقوم.

وقد جوّد في إيضاحه العلامة أبو السعود بقوله: لما أمر عليه الصلاة والسلام بإلزامهم وتبكيتهم، ببيان أن مدار نقمهم للدين إنما هو اشتماله على ما يوجب ارتضاؤه عنهم أيضاً، وكفرهم بما هو مسلم لهم - أمر عليه الصلاة والسلام عقيبه بأن يبكتهم ببيان أن الحقيق بالنقم والعيب حقيقةً، ما هم عليه من الدين المحرف. وينعي عليهم في ضمن البيان جناياتهم وما حاق بهم من تبعاتها وعقوباتها، على منهاج التعريض؛ لئلا يحملهم التصريح بذلك على ركوب متن المكابرة والعناد. ويخاطبهم قبل البيان بما ينبئ عن عظم شأن المبيَّن، ويستدعي إقبالهم على تلقيه من الجملة الاستفهامية المشوقة إلى المخبر به، والتنبئة المشعرة بكونه أمراً خطيراً، لما أن النبأ هو الخبر الذي له شأن وخطر. وحيث كان مناط النقم شرّية المنقوم حقيقةً أو اعتقاداً، وكان مجرد النقم غير مقيد لشريته ألبتة، قيل: (بشرٍ من ذلك) ولم يقل: بأنقم من ذلك، تحقيقاً لشرية ما سيذكر وزيادة تقريرٍ لها. وقيل: إنما قيل ذلك، لوقوعه في عبارة المخاطبين. حيث " أتى نفر من اليهود فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دينه فقال عليه الصلاة والسلام: { آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا... } [البقرة: 136] - إلى قوله - { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [البقرة: 136] " فحين سمعوا ذكر عيسى عليه السلام، قالوا: لا نعلم شراً من دينكم. وإنما اعتبر الشرية بالنسبة إلى الدين - وهو منزّه عن شائبة الشرية بالكلية - مجاراة معهم على زعمهم الباطل المنعقد على كمال شريته، ليثبت أن دينهم شرّ من كل شرّ. أي: هل أخبركم بما هو شرٌ في الحقيقة مما تعتقدونه شرّاً، وإن كان في نفسه خيراً محضاً؟ انتهى.

وقوله: { مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ } أي: جزاء ثابتاً عند الله. قال الراغب: الثواب ما رجع إلى الإنسان من جزاء أعماله. سمي به بتصور أن ما عمله يرجع إليه، كقوله:فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [الزلزلة: 7]. ولم يقل: ير جزاءه. والثواب يقال في الخير والشر، لكن الأكثر المتعارف في الخير. وكذا المثوبة، وهي مصدر ميميّ بمعناه. وعلى اختصاصها بالخير استعملت هنا في العقوبة على طريقة:
تحيةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ   
في التهكم. ونصبها على التميير من (بشرّ).

وقوله تعالى: { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ } بدل من (شر) على حذف مضاف، أي: بشر من أهل ذلك من لعنه الله، أو بشر من ذلك دينُ من لعنه الله.

السابقالتالي
2