الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ }

قوله تعالى: { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ } أي: من الذبائح والصيد. تكريره تأكيد للمنة. قال أبو السعود: قيل المراد بالأيام الثلاثة: وقت واحد. وإنما كرر للتأكيد، ولاختلاف الأحداث الواقعة فيه حَسُنَ تكريره. والمراد بالطيبات ما مرّ.

تنبيه

قال بعض مفسري الزيدية: دلت الآية على جواز أكل العالي من الأطعمة والأصباغ. قال في (الروضة والغدير): وإن كان التقنع بالأدون هو الأولى، كما فعله عليّ عليه السلام وغيره من الفضلاء، فقد روي أن عليّاً عليه السلام كان يطعم الناس أطيب الطعام، فرأى بعضُ أصحابه طعامَهُ، وهو خبز شعير غير منخولٍ، وملح جريش، وهو مختوم عليه لئلا يبدل. ومن كلامه عليه السلام: والله! لأروضنّ نفسي رياضة تهش إلى القرص إن وجدته مطعوماً، وإلى الملح إن وجدته مأدوماً. ولما رويّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في كراهة الإدامين مجتمعين. انتهى.

{ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ } قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم: يعني ذبائحهم.

قال ابن كثير: وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء؛ أن ذبائحهم حلال للمسلمين، لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه ما هو منزه عنه، تعالى وتقدس. انتهى.

قال المهايميّ: وإن لم يعتد بذكِرهم اسم الله، لكنهم لما ذكروه، أشبه ما يعتد بذكره، فأشبه طعامهم الطيبات.

مباحث

الأول: ما ذكرناه من أن المعنيّ بالطعام: الذبائح، هو الذي قاله أئمة السلف: صحابةً كابن عباس وأبي أمامة، وأتباعاً كمجاهد وثمانية غيره. كما في ابن جرير وابن كثير.

وفي (اللباب): أجمعوا على أن المراد بـ { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } ذبائحهم خاصة، لأن ما سوى الذبائح فهي محللة قبل أنْ كانت لأهل الكتاب وبعد أنْ صارت لهم، فلا يبقى لتخصيصها بأهل الكتاب فائدة. ولأنّ ما قبل هذه الآية في بيان حكم الصيد والذبائح، فحملُ هذه الآية عليه أولى؛ لأن سائر الطعام لا يختلف، من تولاه من كتابيّ أو غيره، وإنما تختلف الذكاة. فلما خص أهل الكتاب بالذكر، دلّ على أن المراد بطعامهم: ذبائحهم. انتهى.

الثاني: استدل بالآية على جميع أجزاء ذبائحهم. وهو قول الجمهور.

قال الحافظ ابن حجر في (الفتح): وعن مالك وأحمد، تحريم ما حرم الله على أهل الكتاب كالشحوم. قال ابن القاسم: لأن الذي أباحه الله طعامهم، وليس الشحوم من طعامهم، ولا يقصدونها عند الذكاة. وتعقب بأن ابن عباس فسّر (طعامهم) بذبائحهم، وإذا أبيحت ذبائحهم لم يحتج إلى قصدهم أجزاء المذبوح، والتذكية لا تقع على بعض أجزاء المذبوح دون بعض، وإن كانت التذكية شائعة في جميعها دخل الشحم لا محالة. وأيضاً فإن الله تعالى نص بأنه حرم عليهم كل ذي ظفر، فكان يلزم على قول هذا القائل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد