الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ } نهيٌ: قال أبو البقاء: والجيّد فتح الياء وضم الزاي ويقرأ بضم الياء وكسر الزاي من (أحزنني) وهي لغة. { ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } أي: في إظهاره بما يلوح منهم آثار الكيد للإسلام ومن موالاة الكافرين { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ } أي: بألسنتهم. متعلّق بـ (قالوا) { وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } وهم المنافقون، أي: لا تبال بهم فإني ناصرك عليهم { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } عطف على { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ } وهم يهود بني قريظة، كعب وأصحابه { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } خبر لمحذوف، أي: هم سماعون. واللام إما لتقوية العمل، وإما لتضمين السماع معنى القبول، وإما لام كي، والمفعول محذوف؛ المعنى: هم مبالغون في سماع الكذب الذي افترته أحبارهم أو في قبوله، أو سماعون أخباركم ليكذبوا عليكم بالزيادة والنقص إرجافاً وتهويلاً.

وفي (الإكليل): أن قوله تعالى: { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } يدلّ على أن سامع المحظور كقائله في الإثم.

{ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } أي: لم يحضروا مجلسك وتجافَوْا عنه إفراطاً في البغضاء. أي: قابلون من الأحبار ومن أولئك المفرطين في العداوة الذين لا يقدرون أن ينظروا إليك. قيل: هم يهود خيبر. والسماعون، بنو قريظة { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ } أي: كلم التوراة في الأحكام { مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } أي: التي وضعه الله عليها.

قال ابن كثير: أي: يتناولونه على غير تأويله، ويبدلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.

{ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا } أي: إن أوتيتم هذا المحرّف المزال عن مواضعه من جهة الرسول عليه الصلاة والسلام { فَخُذُوهُ } أي: اعملوا به فإنه الحقُّ { وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ } بأن أفتاكم الرسول بخلافه { فَٱحْذَرُواْ } أي: من قبوله، وإياكم وإياه! فإنه الباطل والضلال.

قال ابن كثير: قيل: نزلت في قوم من اليهود قتلوا قتيلاً وقالوا تعالوا نتحاكم إلى محمد. فإن حكم بالدية فاقبلوه. وإن حكم بالقصاص فلا تسمعوا منه. والصحيح أنها نزلت في اليهوديَّيْن اللذين زنيا. وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم من الأمر برجم من أحصن منهم. فحرفوا واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدة والتحميم والإركاب على حمار مقلوبَيْن. فلما وقعت تلك الكائنة بعد الهجرة قالوا فيما بينهم: تعالوا حتى نتحاكم إليه. فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه واجعلوه حجة بينكم وبين الله. ويكون نبيّاً من أنبياء الله قد حكم بذلك.

وقد وردت الأحاديث بذلك: فروى مالك عن نافع عن ابن عمر قال: " جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ " فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم. إنّ فيها الرجم. فأَتَوْا بالتوراة فنشروها. فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك. فرفع يده فإذا آية الرجم. فقالوا: صدق, يا محمد! فيها آية الرجم. فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجِما. فقال عبد الله بن عمر: فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة "

السابقالتالي
2