الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } فإن عنوان الألوهية مدارُ أحكام ملكوتهما. والاستفهام لتقرير العلم. والمراد به الاستشهاد بذلك على قدرته تعالى على ما سيأتي من التعذيب والمغفرة على أبلغ وجه وأتمه. أي: ألم تعلم أن له السلطان القاهر والاستيلاء الباهر المستلزمان للقدرة التامة على التصرف الكليّ فيهما وفيما فيهما { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } وتقديم التعذيب لأن السياق للوعيد. فيناسب ذلك تقديم ما يليق به من الزواجر { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ومنه التعذيب والمغفرة.

تنبيه

ذهب الجمهور إلى أن توبة السارق تُسُقط عنه حدود الله. وأما حق الآدميّ من القطع وردّ المال أو بدله فلا يَسْقط بتوبته.

وقال أبو حنيفة: متى قطع، وقد تلفت في يده فإنه لا يرد بدلها. وقد بينت السنة أنه إن عفي عنه قبل الرفع إلى الإمام، سقط القطع.

روى ابن ماجة عن ثعلبة الأنصاريّ: أن عمر بن سمرة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني سرقت جملاً لبني فلان فطهِّرني فأرسل إليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا افتقدنا جملاً لنا. فأمر به فقطعت يده. قال ثعلبة (أحد رجال السند): أنا أنظر إليه حين وقعت يده وهو يقول: الحمد لله الذي طهرني منك، أردت أن تدخلي جسدي النار. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو: " أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء بها الذين سرقتهم فقالوا: يا رسول الله، إن هذه المرأة سرقتنا، قال قومها. فنحن نفديها (يعني أهلها) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقطعوا يدها ". فقطعت يدها اليمنى، فقالت المرأة: هل لي من توبة يا رسول الله؟ قال: " نعم، أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك " فأنزل الله عز وجل في سورة المائدة:فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ... } [المائدة: 39] الآية.

قال ابن كثير: وهذه المرأة هي المخزومية التي سرقت. وحديثها ثابت في الصحيحين من رواية الزهريّ عن عائشة " أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح. ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه. قال عروة: فلما كلمه أسامة فيها، تلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أتكلمني في حد من حدود الله؟ " قال أسامة: استغفر لي، يا رسول الله. فلما كان العشيّ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: " أما بعد، فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. والذي نفس محمد بيده! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ". ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك. وتزوجت ".


السابقالتالي
2