الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ } أي: من المطاعم { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } أي: ما ليس بخبيث منها، وهو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب أو سنة. و (الطيِّب) في اللغة هو المستلذ، و (الحلال) المأذون فيه، يسمى طيبا تشبيهاً بما هو مستلذ، لأنهما اجتمعا في انتفاء المضرة. { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ } عطف على (الطيبات) بتقدير مضاف، أي: وصيد ما علمتموه. أو مبتدأ، على أنّ (ما) شرطية وجوابها (فكلوا). و (الجوارح): الكواسب من سباع البهائم والطير - كالكلب والفهد والعقاب والصقر والبازي والشاهين - لأنها تجرح لأهلها أي تكسب لهم، الواحدة جارحة، تقول العرب: فلان جرح أهله خيراً، أي: كسبهم خيراً، وفلان لا جارح له، أي: لا كاسب، ومنه قوله تعالى:وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } [الأنعام: 60]؛ أي: كسبتم. وقيل: سميت (جوارح) لأنها تجرح الصيد عند إمساكه.

وقوله تعالى: { مُكَلِّبِينَ } أي: معلمين لها أن تَسْتَشْلِيَ إذا أُشْلِيَتْ، وتنزجر إذا زجرت، ويجتنب عند الدعوة، ولا تنفر عند الإرادة، فتصير كأنها وكلاؤكم لتعلمهن. إلا إذا قتلت بأنفسها من غير تعليم، فلا يحل صيدها.

قال الزمخشريّ: (المكلّب) مؤدب الجوارح ومضريها بالصيد لصاحبها ورائضها لذلك، بما علم من الحيل وطرق التأديب والتثقيف. واشتقاقه من (الكلب) لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب، فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه، أو لأن السبع يسمى كلباً، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " " اللهمّ سلط عليه كلباً من كلابك " فأكله الأسد " (الحديث حسن، أخرجه الحاكم) أو من الكلب الذي هو بمعنى الضراوة، يقال: هو كلب بكذا إذا كان ضارياً به. وانتصاب (مكلّبين) على الحال من (علمتم). فإذا قلت: ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بـ (علمتم)؟ قلت: فائدتها أن يكون مَن يعلم الجوارح نحريراً في علمه، مدرباً فيه، موصوفاً بالتكليب. وقوله تعالى: { تُعَلِّمُونَهُنَّ } حال ثانية أو استئناف، وفيه فائدة جليلة. وهي أنّ على كل آخذٍ علماً أن لا يأخذه إلا من أَفْتَلِ أهله علماً، وأنحرهم دراية، وأغوصهم على لطائفه وحقائقه. وإن احتاج إلى أن يضرب إليه أكباد الإبل. فكم من آخذٍ، عن غيره متقن، قد ضيع أيامه، وعض عند لقاء النحارير أنامله { مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ } أي: من علم التكليب. لأنه إلهام من الله ومكتسب بالعقل. أو مما عرفكم أن تعلموه من إتباع الصيد بإرسال صاحبه. وانزجاره بزجره. وانصرافه بدعائه. وإمساك الصيد عليه وأن لا يأكل منه. انتهى.

وقال الناصر في (الانتصاف): وفي الآية دليل على أن البهائم لها علم. لأن تعليمها، معناه لغةً، تحصيل العلم له بطرقه. خلافاً لمنكري ذلك.

{ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } أي: صِدْنَ لكم وإن قتلته بأن لم يأكلن منه { وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } الضمير يرجع إلى (ما علمتم من الجوارح) أي: سموا عليه عند إرساله، كما بيّنه حديث أبي ثعلبة وعديّ الآتي.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7