الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ وَٱلسَّارِقُ } أي: من الرجال { وَٱلسَّارِقَةُ } أي: من النساء { فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } يعني: يمين كل منهما، والمقطع الرسغ، كما بينته السنّة { جَزَآءً بِمَا كَسَبَا } أي: يقطع الآلة الكاسبة { نَكَالاً } أي: عقوبةً { مِّنَ ٱللَّهِ } أي: على فعل السرقة المنهيّ عنه من جهته تعالى، لا في مقابلة إتلاف المال، فإنه غير السرقة فلذلك لا يسقط بعفو المالك، بخلاف العفو عن المال، ولا يبالي فيه بعزة السارق، لأنه تعالى غالب على أمره يمضيه كيف يشاء كما قال: { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } أي: فلا يبالي - مع عزته الموجبة لامتثال أمره - عزّة مَنْ دونه { حَكِيمٌ } في شرائعه، فيختل أمر نظام العالم بمخالفة أمره، إذ فيه نفع عام للخلائق.

وفي الآية مسائل

الأولى: قال أبو السعود: لما كانت السرقة معهودة من النساء كالرجال، صرح بالسارقة أيضاً، مع أن المعهود في الكتاب والسنة إدراج النساء في الأحكام الواردة في شأن الرجال بطريقة الدلالة. لمزيد الاعتناء بالبيان والمبالغة في الزجر. انتهى.

ولما كانت غلبة السرقة في الرجال، لقوتهم بدأ بالسارق. كما أن غلبة الزنى لما كانت في النساء لفرط شهوتهن - قال في آية الزنى:ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } [النور: 2].

الثانية: قال ابن كثير: روى الثوريّ بسنده إلى ابن مسعود؛ أنه كان يقرؤها: والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما، وهذه قراءة شاذة. وكان الحكم عند جميع العلماء موافقاً لها لا بها، بل هو مستفاد من دليل آخر؛ وقد كان القطع معمولاً به في الجاهلية فقرر في الإسلام، وزيدت شروط أخر كما سنذكره إن شاء الله تعالى: كما كانت القسامة والدية والقراض وغير ذلك من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه، وزيادات هي من تمام المصالح. ويقال: إن أول من قطع الأيدي في الجاهلية: قريش، قطعوا رجلاً يقال له (دويك) مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة، كان قد سرق كنز الكعبة، ويقال: سرقه قوم فوضعوه عنده.

الثالثة: ذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر إلى أنه متى سرق السارق شيئاً قطعت يده به، سواء كان قليلاً أو كثيراً، لعموم هذه الآية: { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } ، فلم يعتبروا نصاباً ولا حرزاً، بل أخذوا بمجرد السرقة.

وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن نجدة الحنفيّ قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى: { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا }. أخاص أم عام؟ فقال: بل عام.. وهذا يحتمل أن يكون موافقة لابن عباس لما ذهب إليه هؤلاء، ويحتمل ذلك، فالله أعلم.

وتمسكوا بما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده ".


السابقالتالي
2 3 4 5 6