الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ } - أي: اطلبوا - { إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } أي: القربة - كذا فسَّره ابن عباس ومجاهد وأبو وائل والحسن وزيد وعطاء والثوريّ وغير واحد. وقال قتادة: أي تقرّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. وقرأ ابن زيد:أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ } [الإسراء: 57]. قال ابن كثير: وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة, لا خلاف بين المفسرين فيه. وفي (القاموس وشرحه): الوسيلة والواسلة, المنزلة عند الملك والدرجة والقربة والوصلة. وقال الجوهريّ: الوسيلة, ما يتقرب به إلى الغير. والتوسيل والتوسل واحد. يقال: وَسَّل إلى الله تعالى توسيلاً, عمل عملاً تقرب به إليه, كتوسل. و (إلى) يجوز أن يتعلق بـ (ابتغوا) وأن يتعلق بـ (الوسيلة). قدم عليها للاهتمام به { وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي: بسبب المجاهدة في سبيله. وقد بين كثير من الآيات أن المجاهدة بالأموال والأنفس.

تنبيه

ما ذكرناه في تفسير (الوسيلة) هو المعوّل عليه. وقد أوضح إيضاحاً لا مزيد عليه, تقيّ الدين ابن تيمية عليه الرحمة في (كتاب الوسيلة) فرأينا نقل شذرة منه, إذْ لا غني للمُحَقِّق في علم التفسير عنه. قال رحمه الله بعد مقدّمات:

إن لفظ الوسيلة والتوسل, فيه إجمال واشتباه, يجب أن تعرف معانيه ويعطي كلّ ذي حقّ حقه. فيعرف ما ورد به الكتاب والسنة من ذلك ومعناه. وما كان يتكلم به الصحابة ويفعلونه ومعنى ذلك. ويعرف ما أحدثه المحدثون في هذا اللفظ ومعناه. فإن كثيراً من اضطراب الناس في هذا الباب هو بسبب ما وقع من الإجمال والاشتراك في الألفاظ ومعانيها، حتى تجد أكثرهم لا يعرف في هذا الباب فصل الخطاب. فلفظ الوسيلة مذكور في القرآن في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ }. وفي قوله تعالى:قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } [الإسراء: 56-57]. فالوسيلة التي أمر الله أن تبتغي إليه وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه، هي ما يتقرب به إليه من الواجبات والمستحبات. فهذه الوسيلة التي أمر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب، وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل في ذلك. سواء كان محرماً أو مكروهاً أو مباحاً. فالواجب والمستحب هو ما شرعه الرسول فأمر به أمر إيجاب واستحباب. وأصل ذلك الإيمان بما جاء به الرسول. فجماع الوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها، هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول، لا وسيلة لأحد إلى الله إلا ذلك.

و (الثاني) لفظ الوسيلة في الأحاديث الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3