الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } أي: من المحاربين { مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.

وفي هذه الآية مسائل:

الأولى: روى ابن جرير وأبو داود والنسائيّ عن ابن عباس؛ أنها نزلت في المشركين. وروى ابن جرير عن أُبيّ، أنها نزلت في قومٍ من أهل الكتاب نقضوا عهدهم مع النبيّ صلى الله عليه وسلم. وظاهرٌ أنّها عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات. كما روى الشيخان وأهل السنن وابن مردويه وهذا لفظه: عن أنس بن مالك؛ " أن ناساً من عرينة قدموا المدينة فاجتووها، فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة وأمرهم أن يشربوا من أبوالها ففعلوا فصحّوا، فارتدّوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي وساقوا الإبل. فأرسلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فجِيء بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسَمَرَ أعينهم وألقاهم في الحرّة. قال أنس: فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشاً، حتى ماتوا. ونزلت: { إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [المائدة: 33]...الآية " ولمسلم عن أنس قال: " إنما سمل النبيّ صلى الله عليه وسلم أَعين أولئك لأنهم سملوا أَعين الرعاء " وعند البخاريّ: قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.

الثانية: زعم بعضهم أن الآية نزلت نسخاً لعقوبة العرنيين المتقدمة.

قال ابن جرير: حدثنا عليّ بن سهل، حدثنا الوليد بن مسلم قال: ذاكرت الليث بن سعد: ما كان من سَمْل النبيّ صلى الله عليه وسلم أعينهم وتركه حسمهم حتى ماتوا. فقال: سمعت محمد ابن عجلان يقول: أُنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم معاتبة في ذلك، وعلَّمه عقوبة مثلهم من القطع والقتل والنفي ولم يسمل بعدهم غيرهم. قال: وكان هذا القول ذكر لأبي عمرو - يعني الأوزاعي - فأنكر أن تكون نزلت معاتبة، وقال: بلى. كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم، ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم مِمَّن حارب بعدهم، فرفع عنهم السمل. وروى ابن جرير أيضاً في القصة عن سعيد بن جبير قال: " فما مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلُ ولا بعدُ، قال: ونهى عن المُثْلة، قال: " لا تُمَثِّلُوا بِشْيءٍ " والنهي عن المُثْلة مرويّ في الصحيح والسنن.

الثالثة: احتج بعموم هذه الآية جمهور العلماء، في ذهابهم إلى أنّ المحاربة في الأمصار وفي السبلات على السواء؛ لقوله:وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً } [المائدة: 33]. وهذا مذهب مالك والأوزاعيّ والليث بن سعيد والشافعيّ وأحمد.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولو شهروا السلاح في البنيان لا في الصحراء لأخذ المال، فقد قيل: إنهم ليسوا محاربين بل هم بمنزلة المنتهب؛ لأن المطلوب يدركه الغوث إذا استغاث بالناس.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7