الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }

{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ } أي: بسبب قتل قابيل هابيل ظلماً { كَتَبْنَا } أي فرضنا وأوجبنا { عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } وإنما خُصّوا بالذكر لأنهم أول من تعبدوا بذلك. وقوله تعالى: { أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ } أي: بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص { أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ } أي: أو بغير فساد يوجب إهدار دمها - كالكفر مع الحراب, والارتداد, وقطع الطريق الآتي بعد, وزنا المحصن - { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } أي: من حيث إنه هَتَك حرمة الدماء, وسنَّ القتل, وجرّأ الناس عليه. أو من حيث إنّ قتل الواحد وقتل الجميع سواء, في استجلاب غضب الله تعالى والعذاب العظيم { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } أي: ومن تسبب لبقاء حياتها بعفوٍ أو منعٍ عن القتل أو استنقاذٍ من بعض أسباب الهلكة، فكأنما فعل بالناس جميعاً، والمقصود منه: تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب ترهيباً عن التعرض لها، وترغيباً في المحاماة عليها. أفاده البيضاويّ.

وقال أبو مسلم في معنى الآية: من قتل نفساً وجب على المؤمنين معاداته، وأن يكونوا خصومه, كما لو قتلهم جميعاً؛ لأن المسلمين يدٌ واحدةً على من سواهم. ومن أحيا وجب موالاته عليهم، كما لَوْ أحياهم. انتهى.

وقيل للحسن البصريّ: هذه الآية لنا كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: إي والذي لا إله غيره! كما كانت لهم، ومَا جَعَلَ دِمَاءَهُمْ أكرم من دمائنا.

أقول: القاعدة في ذلك؛ أن جميع ما يحكي في القرآن من شرائع الأولين وأحكامهم, ولم ينبّه على إفسادهم وافترائهم فيه, فهو حقّ. وقد أوضح ذلك الإمام الشاطبي في (الموافقات) فانظره فإنه مهمّ.

وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئتُ لأنصرك، وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين، فقال: يا أبا هريرة! أيسرّك أن تقتل الناس جميعاً وإياي معهم؟ قلت: لا! قال: فإنك إن قتلت رجلاً واحداً فكأنما قتلت الناس جميعاً, فانصرِفْ مأذوناً لك, مأجوراً غير مأزور. قال: فانصرفت ولم أقاتل.

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: " جاء حمزة بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، اجعلني على شيء أعيش به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا حمزة، نفس تحييها أحبّ إليك أم نفس تميتها؟ " قال: بل نفس أحييها. قال: " عليك بنفسك " ".

{ وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ } يعني: بني إسرائيل { رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ } أي: الآيات الواضحة الناطقة بتقرير ما كتبنا عليهم، تأكيداً لوجوب مراعاته، وتأييداً لتحتم المحافظة عليه. { ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ } أي: من بني إسرائيل { بَعْدَ ذٰلِكَ } أي: بعد ما كتبنا عليهم، وبعد مجيء الرسل بالآيات والزجر المسموع منهم { لَمُسْرِفُونَ } يعني: بالفساد والقتل.

السابقالتالي
2