الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ }

{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ } أي: على هؤلاء البغاة الحسدة من اليهود وأشباههم { نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ } هابيل وقابيل، ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } أي: الصدق والصحة موافقاً لما في كتبهم { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً } أي: ما يتقرب به إلى الله تعالى من نسيكة أو صدقةٍ. وكان هابيل راعيَ غنم، وقابيل يحرث الأرض، فقدّم هابيل شيئاً من أبكار غنمه ومن سمانها، وقدّم قابيل شيئاً رديئاً من ثمر الأرض { فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا } وهو هابيل، { وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ } وهو قابيل، { قَالَ } قابيل لهابيل: { لأَقْتُلَنَّكَ } على قبول قربانك، { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } أي: إنما أتيتَ من قبل نفسك, لانسلاخها من لباس التقوى، لا من قبلي. فلِمَ تقتلني؟ ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول؟ فأجابه بكلام حكيمٍ مختصرٍ جامعٍ لمعانٍ، وفيه دليل على أن الله تعالى لا يقبل طاعة إلا من مؤمن مُتَّق، فما أنعاه على أكثر العاملين أعمالهم!

وعن عامر بن عبد الله: أنه بكى حين حضرته الوفاة: فقيل له: ما يبكيك فقد كنت وكنت؟ قال: إني أسمع الله يقول: { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ }. كذا في (الكشاف).

وروى ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل قال: يحبس الناس في بقيع واحد فينادي منادٍ: أين المتقون؟ فيقومون في كنفٍ من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر. قلت: مَنْ المتقون؟ قال: قوم اتقوا الشركَ وعبادةَ الأوثان وأخلصوا العبادة. فيمرون إلى الجنة.