{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } ، أي: معالم دينه، وهي المناسك. وإحلالها أن يتهاون بحرمتها، وأن يحال بينهما وبين المتنسكين بها. وقد روى ابن جرير عن عكرمة والسّدّيّ قالا: " نزلت في الحُطَم، واسمه شريح بن هند البكريّ، أتى المدينة وَحْدَهُ، وخَلَّف خيله خارج المدينة، ودخل على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له: إلامَ تدعو الناس؟ قال صلى الله عليه وسلم: " إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ". فقال: حسن. إلا أن لي أمراء لا أقطع أمرا دونهم، ولعلي أُسْلِمُ وآتي بهم، فخرج من عنده. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: " يدخل عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان " فلما خرج شريح قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لقد دخل بوجه كافر، وخرج بقفا غادر، وما الرجل بمسلم ". فمر بسرح من سراح المدينة فاستاقه وانطلق به وهو يرتجز ويقول: قد لَفَّهَا الليلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ * لَيْسَ بِرَاعِيِ إِبِلٍ وَلا غَنَمْ وَلا بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْرِ الْوَضَمْ * بَاتُوا نِيَاماً وابنُ هِنْدٍ لَمْ يَنَمْ بَاتَ يُقَاسِهَا غُلامٌ كَالزَّلَمْ * خَدَلَّجُ السَّاقَيْنِ مَمْسُوحُ القَدَمْ فتبعوه فلم يدركوه. فلما كان العام القابل، خرج شريح حاجا مع حُجاج بكر بن وائل، من اليمامة، معه تجارة عظيمة، وقد قلّد الهدي. فقال المسلمون: يا رسول الله، هذا الحطم قد خرج حاجاً فَخَلِّ بيننا وبينه. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إنه قد قلّد الهدي " فقالوا: يا رسول الله، هذا شيء كنا نفعله في الجاهلية. فأبى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } " قال ابن عباس: هي المناسك، لأن المشركون يحجون ويهدون، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم، فنهاهم الله عن ذلك. وعن ابن عباس أيضاً: { لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ }: هي أن تصيد وأنت محرم. ويقال: شعائر الله، شرائع دينه التي حدها لعباده، وإحلالها الإخلال بها. وظاهر أن عموم اللفظ يشمل الجميع. { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } المراد به الجنس، فيدخل في ذلك جميع الأشهر الحرم، وهي أربعة: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، أي: لا تحلوها بالقتال فيها. وقد كانت العرب تحرم القتال فيها في الجاهلية، فلما جاء الإسلام لم يَنْقُضْ هذا الحكم، بل أكده. كذا في (لباب التأويل). قال ابن كثير: يعني بقوله: { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } ، تحريمه والاعتراف بتعظيمه، وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه، من الابتداء بالقتال. كما قال تعالى:{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ }