الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ } أي: ما أمرتم به وما نهيتم عنه { عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ } متعلق بـ (جاءكم) أي: جاءكم على حين فتورٍ من إرسال الرسل، وانقطاعٍ من الوحي، إذ لم يكن بينه وبين عيسى رسولٌ، ومدة الفترة بينهما خمسمائة وتسع وستون سنة. { أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ } تعليل لمجيء الرسول بالبيان على حذف المضاف، أي: كراهة أن تعتذروا بذلك يوم القيامة وتقولوا: ما جاءنا من رسولٍ - بعد ما درس الدينُ - يبشرنا لنرغب فنعمل بما يسعدنا فنفوز، وينذرنا لنرهب فنترك ما يشقينا فنسلم. وقد كان اختلط في تلك الفترة الحقّ بالباطل - كما سنبيّنه - { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } متعلق بمحذوف تنبئ عنه الفاء الفصيحة وتبين أنه معلل به، أي: لا تعتذروا (بما جاءنا) فقد جاءكم بشير أي بشير، ونذير أي: نذير. { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من إرسال الرسل، والثواب لمن أجاب الرسل، والعقاب لمن لم يُجبْهم.

قال البقاعيّ: وفي الختم بوصف القدرة، وإتباعه تذكيرهم ما صاروا إليه من العز بالنبوّة والملك، بعد ما كانوا فيه من الذل بالعبودية والجهل، إشارة إلى أن إنكارهم لأن يكون من ولد إسماعيل عليه السلام نبيّ، يلزم منه إنكارهم للقدرة.

تنبيه

قال ابن كثير: كانت الفترة بين عيسى ابن مريم - آخر أنبياء بني إسرائيل - وبين محمد خاتم النبيين من بني آدم على الإطلاق. كما ثبت في (صحيح البخاريّ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنا أولى الناس بابن مريم ليس بيني وبينه نبيّ " وهذا فيه ردّ على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبيّ يقال له خالد بن سنان. كما حكاه القضاعيّ وغيره. انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): استدل به - يعني بحديث أبي هريرة - على أنه لم يبعث بعد عيسى أحد إلا نبيّنا صلى الله عليه وسلم. وفيه نظر؛ لأنه ورد أن الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية - المذكورة قصتهم في سورة " يس " - كانوا من أتباع عيسى. وأن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيَّيْن, وكانا بعد عيسى. والجواب: أن هذا الحديث يضعف ما رد من ذلك، فإنه صحيح بلا تردد، وفي غيره مقال. أو المراد: إنه لم يبعث بعد عيسى نبيّ بشريعة مستقلة، وإنما بعث بعده, مَنْ بُعِثَ, بتقرير شريعة عيسى. وقصة خالد بن سنان أخرجها الحاكم في (المستدرك) من حديث ابن عباس, ولها طرق جمعتُها في ترجمته في كتابي في (الصحابة). انتهى.

وقد ذكرت في كتابي (إيضاح الفطرة في أهل الفترة) في الباب الحادي عشر مَنْ كان في الفترة من الأنبياء على ما روي.

السابقالتالي
2 3