الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } في هذه الآية وجهان:

الأول: إنّ ما أفادته من الحصر - وإن لم يصرحوا به - إلا أنه نسب إليهم لأنه لازم مذهبهم لأن معتقدهم مؤدّ إليه.

قال الرازيّ: لأنهم يقولون: إن أقنوم الكلمة اتحد بعيسى عليه السلام. فأقنوم الكلمة إما أن يكون ذاتاً أو صفة، فإن كان ذاتاً فذات الله تعالى قَدْ حلّت في عيسى واتّحدت بعيسى، فيكون عيسى هو الإله على هذا القول. وإن قلنا: إنّ الأقنوم عبارة عن الصفة، فانتقال الصفة من ذات إلى ذات أخرى غير معقول. ثم بتقدير انتقال أقنوم العلم عن ذات الله تعالى إلى عيسى، يلزم خلوّ ذات الله عن العلم، ومن لم يكن عالماً لم يكن إلهاً، فحينئذ يكون الإله هو عيسى على قولهم. فثبت أنّ النصارى - وإن كانوا لا يصرحون بهذا القول - إلا أن حاصل مذهبهم ليس إلا ذلك. انتهى.

وبطلان الاتحاد معلوم بالبداهة.

قال العلامة العضد في (الموقف الثاني): المقصد الثامن: الاثنان لا يتحدان. وهذا حكم ضروريّ. فإن الاختلاف بين الماهيتين والهويتين اختلاف بالذات فلا يعقل زواله. وهذا ربما يزاد توضيحه فيقال: إنْ عدم الهويتان فلا اتحاد, بل وحدث أمر ثالث غيرهما - وإن عدم أحدهما - فلا يتحد المعدوم بالموجود - وإن وجدا فهما اثنان كما كانا, فلا اتحاد أيضاً. انتهى.

الوجه الثاني: إنه عُنِي بهذه الآية قوم يقولون بأن حقيقة الله هو المسيح لا غير.

قال الزمخشريّ: قيل كان في النصارى قوم يقولون ذلك. انتهى.

قال الإمام الشهرستانيّ في (الملل والنحل) عند ذكر فرق النصاري: ومنهم اليعقوبية أصحاب يعقوب، قالوا بالأقانيم الثلاثة - كما ذكرنا - إلا أنهم قالوا: انقلبت الكلمة لحماً ودماً فصار الإله هو المسيح, وهو الظاهر بجسده بل هو هو. وعنهم أخبرنا القرآن الكريم: { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } ، فمنهم من قال: المسيح هو الله، ومنهم من قال: ظهر اللاهوت بالناسوت فصار ناسوت المسيح مظهر الحق، لا على طريق حلول جزء فيه، ولا على سبيل اتحاد الكلمة التي هي في حكم الصفة بل صار هو هو. وهذا كما يقال: ظهر المَلك بصورة الإنسان، أو ظهر الشيطان بصورة حيوان.. إلخ.

وذكر الإمام الماورديّ في (أعلام النبوة): إن أوائل النسطورية قالوا: إن عيسى هو الله. انتهى.

وذكر الإمام ابن إسحاق في (السيرة): إن نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, كانوا من النصرانية على دين ملكهم، مع اختلاف من أمرهم، يقولون هو الله، ويقولون هو ولد الله، ويقولون هو ثالث ثلاثة - يعني: هو تعالى وعيسى ومريم - وكذلك قول النصرانية، ثم قال: ففي كل ذلك من قولهم قد نزل القرآن.

السابقالتالي
2