الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }.

قال الحافظ ابن كثير: هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله عزّ وجلّ. فإنه الفعال لما يشاء.لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } [الأنبياء: 23]. ويتضمن التبرؤ من النصارى الذين كذبوا على الله ورسوله. وجعلوا لله ندّاً وصاحبة وولداً. تعالى الله عما يقولون علوّاً كبيراً. انتهى.

أي: إن تعذبهم فإنك تعذب عبادك، ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل بملكه. وفيه تنبيه على أنهم استحقوا ذلك لأنهم عبادك وقد عبدوا غيرك. إن تغفر لهم فلا عجز ولا استقباح؛ لأنك القادر القويّ على الثواب والعقاب. الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب. فإن المغفرة مستحسنة لكل مجرم. فإن عذبت فعدل، وإن غفرت ففضل. وعدم غفران الشرك مقتضى الوعيد. فلا امتناع فيه لذاته، ليمتنع الترديد والتعليق بـ (إِن). أفاده البيضاويّ.

يعني: أن المغفرة، وإن كانت قطعية الانتفاء بحسب الوجود، لكنها لما كانت بحسب العقل، تحتمل الوقوع واللاوقوع، استعمل فيها كلمة (إن) فسقط ما يتوهم أن تعذيبهم، مع أنه قطعيّ الوجود, كيف استعمل فيه (إن) وعدم وقوع العفو بحكم النص والإجماع. وفي كتب الكلام: إن غفرانك الشرك جائز عقلا عندنا وعند جمهور البصريين من المعتزلة؛ لأن العقاب حق الله على المذنب, وليس في إسقاطه مضرة.

وبالجملة: فليس قوله تعالى: { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } تعريضاً بسؤاله العفو عنهم. وإنما هو لإظهار قدرته على ما يريد, وعلى مقتضى حكمه وحكمته. ولذا قال: إنك أنت العزيز الحكيم, تنبيهاً على أنه لا امتناع لأحد عن عزته, فلا اعتراض في حكمه وحكمته.

قال الرازيّ: قال قوم: لو قال: فإنك أنت الغفور الرحيم, أشعر ذلك بكونه شفيعاً لهم. فلما قال: { فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } , دل ذلك على أن غرضه تفويض الأمر بالكلية إلى الله تعالى, وترك التعرض لهذا الباب من جميع الوجوه.

وفي (العناية) ما ملخصه: أن ما ظنه بعضهم من أن مقتضى الظاهر " الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " بدل (العزيز الحكيم) كما وقع في مصحف عبد الله بن مسعود - فقد غاب عنه سر المقام؛ لأنه ظن تعلقه بالشرط الثاني فقط, لكونه جوابه، وليس كما توهم. بل هو متعلق بهما. ومن له الفعل والترك عزيز حكيم. فهذا أنسب وأدق وأليق بالمقام, أو هو متعلق بالثاني, وإنه احتراس؛ لأن ترك عقاب الجاني قد يكون لعجز ينافي القدرة, أو لإهمال ينافي الحكمة. فبيّن أن ثوابه وعقابه مع القدرة التامة والحكمة البالغة.

تنبيه

قال الحافظ ابن كثير: هذه الآية لها شأن عظيم ونبأ عجيب. وقد ورد في الحديث أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قام بها ليلة إلى الصباح يرددها.

السابقالتالي
2