الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }

{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } شروع في بيان ما جرى بينه تعالى وبين واحد من الرسل المجموعين، من المفاوضة، على التفصيل. إثر بيان ما جرى بينه تعالى وبين الكل على وجه الإجمال، لكون ذلك كالأنموذج لتفاصيل أحوال الباقين. وتخصيصُ شأن عيسى عليه السلام بالبيان، تفصيلاً بين شؤون سائر الرسل عليهم السلام، مع دلالتها على كمال هول ذلك اليوم ونهاية سوء حال المكذبين بالرسل - لما أن شأنه عليه السلام متعلق بكلا الفريقين من أهل الكتاب الذين نعيت عليهم في السورة الكريمة جناياتهم. فتفصيله أعظم عليهم وأجلب لحسرتهم وندامتهم، وأدخل في صرفهم عن غيهم وعنادهم. أفاده أبو السعود.

{ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ } أي: مِنّتي عليك { وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ } بما طهرها واصطفاها على نساء العالمين { إِذْ أَيَّدتُّكَ } أي: قويتك { بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } أي: بجبريل عليه السلام لتثبيت الحجة. أو بجعل روحك طاهرة عن العلائق الظلمانية. بحيث يعلم أنه ليس بواسطة البشر، فيشهد ببراءتك وبراءة أمك. ومن ذلك التأييد قويت نفسك الناطقة. لذلك { تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } أي: في أضعف الأحوال وأقواها. بكلام واحد من غير أن يتفاوت في حين الطفولة وحين الكهولة. الذي هو وقت كمال العقل وبلوغ الأشُد.

قال ابن كثير: أي: جعلتك نبيّاً داعياً إلى الله في صغرك وكبرك. فأنطقتك في المهد صغيراً. فشهدت ببراءة أمك من كل عيب. واعترفت لي بالعبودية. وأخبرتَ عن رسالتي إياك ودَعْوَتِك إلى عبادتي. ولهذا قال: { تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } أي: تدعو إلى الله الناس في صغرك وكبرك. وضمن(تكلم) تدعو؛ لأن كلامه الناس في كهولته ليس بأمر عجيب. انتهى.

{ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ } أي الخط وظاهر العلم الذي يكتب { وَٱلْحِكْمَةَ } أي: الفهم وباطن العلم الذي لا يكتب، بل يخص به أهله { وَٱلتَّوْرَاةَ } وهي المنزلة على موسى الكليم عليه السلام { وَٱلإِنْجِيلَ } وهو الذي أنزله عليه صلى الله عليه وسلم { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } أي: تقدر وتصور منه صورة مماثلة لهيئة الطير { بِإِذْنِي } أي: لك في ذلك { فَتَنفُخُ فِيهَا } أي: في تلك الهيئة المصورة { فَتَكُونُ } أي: فتصير تلك الهيئة { طَيْراً } لحصول الروح من نفختك فيها { بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ } أي: الذي يولد أعمى مطموس البصر { وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ } أي: من القبور أحياء { بِإِذْنِيِ } فهذا مما فعل به من جرّ المنافع. ثم أشار إلى ما دفع عنه من المضارّ، فقال سبحانه: { وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ } أي: منعت اليهود الذين أرادوا بك السوء وسعوا في قتلك وصلبك، فنجيتك منهم ورفعتك إليّ وطهرتك من دنسهم { إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي: المعجزات التي توجب انقيادهم لك لتعاليها عن قوى البشر فلا يتوهم فيها السحر { فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي: ما هذا الذي يرينا إلا سحر ظاهر.

السابقالتالي
2