الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }

{ مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ } أي: ما شرع وما وضع. و (من) مزيدة لتأكيد النفي. والبحيرة (كسفينة) فعيلة بمعنى المفعول من (البحر) وهو شق الأذن. يقال: بحر الناقة والشاة، يبحرها: شق أذنها. وفي البحرة أقوال كثيرة ساقها صاحب القاموس وغيره.

قال أبو إسحاق النحويّ: أثبت ما روينا عن أهل اللغة في البحرة: أنها الناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن، فكان أخرها ذكراً، بحروا أذنها (أي: شقوها) وأعفوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح، ولا تمنع عن ماءٍ ترده ولا من مرعى. وإذا لقيها المعيي المنقطع به، لم يركبها { وَلاَ سَآئِبَةٍ } وهي الناقة كانت تسيب في الجاهلية لنذر أو لطواغيتهم. أي: تترك ولا تركب ولا يحمل عليها كالبحيرة. أو كانت إذا ولدت عشرة أبطن كلهن إناث، ليس بينهن ذكر، سيبت فلم تركب ولم يجزَّ وبرها، ولم يشرب لبنَها إلا ولدُها أو الضيف. أو كان الرجل إذا قدم من سفر بعيد، أو برئ من علة، أو نجت دابته من مشقة أو حرب، قال: هي (أي ناقتي) سائبة { وَلاَ وَصِيلَةٍ } كانوا إذا ولدت الشاة ستة أبطن عَنَاقيْن عَنَاقْين. وولدت في السابع عناقاً وجدياً، قالوا: وصلت أخاها. فلا يذبحون أخاها من أجلها. وأحلّوا لبنها للرجال وحرموه على النساء. والعناق (كسحاب) الأنثى من أولاد المعز. وقيل الوصيلة كانت في الشاة خاصة، إذا ولدت الأنثى فهي لهم، وإذا ولدت ذكرا جعلوه لآلهتهم. وإن ولدت ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم { وَلاَ حَامٍ } وهو الفحل من الإبل بضرب الضراب المعدود. فإذا انقضى ضرابه جعلوا عليه ريش الطواويس، وسيبوه للطواغيت. وقيل: هو الفحل ينتج من صلبه عشرة أبطن. ثم هو حام حمى حمى ظهره. فيترك فلا ينتفع منه بشيء، ولا يمنع من ماء ولا مرعى. وحكى أبو مسلم: إذا نتجت الناقة عشرة أبطن، قالوا: حمت ظهرها.

وقد روي في تفسير هذه الأربعة، أقوال أخر. ولا تنافي في ذلك؛ لأن أهل الجاهلية لهم في أضاليلهم تفنّنات غريبة.

هذا وروي ابن أبي حاتم عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة، عن أبيه مالك ابن نضلة، قال: " أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم في خلقان من الثياب. فقال لي: " هل لك من مال؟ " فقلت: نعم. قال: " من أيّ المال؟ " قال: فقلت: من كل المال: الإبل والغنم والخيل والرقيق. قال: " فإذا أتاك الله مالاً كثيراً فَكَثِّر عليك ". ثم قال: " تنتج إبلك وافية آذانها "؟ قال: قلت: نعم. قال: وهل تنتج الإبل إلا كذلك؟ قال: " فلعلك تأخذ الموسى فتقطع آذان طائفة منها، وتقول: هذه حرم؟ " قلت: نعم. قال: " فلا تفعل. إن كل ما آتاك الله لك حل ". ثم قال: { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ } ".


السابقالتالي
2 3