الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أي: لأن خروجه باستعجالهم ربما يغضبه، فيفوتهم فوائد رؤيته وكلامه. وإن صبروا استفادوا فوائد كثيرة، مع اتصافهم بالصبر، ورعاية الحرمة لنبيهم وأنفسهم { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي: لمن تاب من معصية الله، بندائك كذلك، وراجع أمر الله فيه وفي غيره.

تنبيهات

الأول: قال ابن كثير: قد ذكر أنها نزلت في الأقرع بن حابس التميميّ، فيما أورده غير واحد.

روى الإمام أحمد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن الأقرع بن حابس؛ " أنه نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، يا محمد، (وفي رواية: يا رسول الله،) فلم يجبه. فقال: يا رسول الله، إن حمدي لزين، وإن ذمّي لشين، فقال: " ذاك الله عز وجل " ".

وروى ابن إسحاق، في ذكر سنة تسع، وهي المسماة سنة الوفود؛ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتح مكة، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف، وبايعت، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه، فكان منهم وفد بني تميم. فلما دخلوا المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته: أن اخرج إلينا يا محمد! فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم، فخرج إليهم " ثم ساق ابن إسحاق نبأهم مطولاً ثم قال: وفيهم نزل من القرآن:إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [الحجرات: 4].

الثاني: { ٱلْحُجُرَاتِ } بضمتين، وبفتح الجيم، وبسكونها. وقرئ بهنّ جميعاً: جمع (حجرة). وهي الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوّط عليها. فُعْلَة بمعنى مفعولة، كالغرفة والقبضة.

قال الزمخشريّ: والمراد حجرات نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت لكل واحدة منهن حجرة. ومناداتهم من ورائها يحتمل أنهم قد تفرّقوا على الحجرات، متطلبين له، فناداه بعض من وراء هذه، وبعض من وراء تلك، وأنهم قد أتوها حجرة حجرة، فنادوه من ورائها. وأنهم نادوه من وراء الحجرة التي كان فيها. ولكنها جمعت إجلالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمكان حرمته. والفعل - وإن كان مسنداً إلى جميعهم - فإنه يجوز أن يتولاه بعضهم، وكان الباقون راضين، فكأنهم نولوه جميعاً.

الثالث: قال الزمخشريّ: ورود الآية على النمط الذي وردت عليه، فيه ما لا يخفى على الناظر من بينات إكبار محل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلاله.

منها: مجيئها على النظم المسجل على الصائحين به، بالسفه والجهل، لما أقدموا عليه.

ومنها: لفظ: { ٱلْحُجُرَاتِ } وإيقاعها، كناية عن موضع خلوته ومقيله مع بعض نسائه.

ومنها: المرور على لفظها بالاقتصار على القدر الذي تبين به ما استنكر عليهم.

ومنها: التعري باللام دون الإضافة.

السابقالتالي
2 3