الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: هؤلاء المشركون من قريش، هم الذين جحدوا توحيد الله { وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ } أي: وصدوا الهدي أيضاً، وهو ما يهدى إلى مكة من النعم { مَعْكُوفاً } أي: محبوساً. قال السمين: يقال: عكفت الرجل عن حاجته، إذا حبسته عنها. وأنكر الفارسيّ تعدية (عكف) بنفسه، وأثبتها ابن سيده والأزهريّ وغيرهما، وهو ظاهر القرآن، لبناء اسم المفعول منه. انتهى.

وقوله تعالى: { أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } قال ابن جرير: أي: محل نحره. وذلك دخول الحرم، والموضع الذي إذا صار إليه حلّ نحره، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق معه حين خرج إلى مكة في سفرته تلك، سبعين بدنة.

وفي الآية دليل على أن محل ذبح الهدي، الحرم.

{ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ } أي: موجودون بمكة مع الكفار { لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ } أي: بصفة الإيمان وهم بمكة، حبسهم المشركون بها عنكم، فلا يستطيعون من أجل ذلك الخروج إليكم. { أَن تَطَئُوهُمْ } أي: تقتلوهم مع الكفار، لو أذن لكم في الفتح بدل الصلح. قال السمين: { أَن تَطَئُوهُمْ } يجوز أن يكون بدلاً من (رِجَال ونساء) غلب الذكور، وأن يكون بدلاً من مفعول { تَعْلَمُوهُمْ }. فالتقدير على الأول (ولولا وطء رجال ونساءً غير معلومين). وتقدير الثاني (لم تعلموا وطأهم) والخبر محذوف تقديره (ولولا رجال ونساء موجودون، أو بالحضرة). انتهى.

{ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ } أي: إثم وغرامة. من (عرّه) إذا عراه ما يكرهه. وقوله: { بِغَيْرِ عِلْمٍ } حال من الضمير المرفوع في { تَطَئُوهُمْ } أي: تطؤوهم غير عالمين بهم. وفي جواب (لَوْلا) أقوال:

أحدها: أنه محذوف لدلالة الكلام عليه. والمعنى ولولا كراهة أن تهلكوا ناساً مؤمنين بين ظهراني المشركين، وأنتم غير عارفين بهم، فيصيبكم بإهلاكهم مكروه ومشقة لما كف أيديكم عنهم، ولأذن لكم في دخول مكة مقاتليهم.

والثاني: أنه مذكور، وهو { لَعَذَّبْنَا } وجواب { لَوْ } هو المحذوف. فحذف من الأول لدلالة الثاني، ومن الثاني لدلالة الأول.

والثالث: أن قوله: { لَعَذَّبْنَا } جوابهما معاً، وهو بعيد إن أريد حقيقة ذلك.

وذكر الزمخشريّ قريباً من هذا فإنه قال: ويجوز أن يكون: { لَوْ تَزَيَّلُواْ } كالتكرير لـ { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ } لمرجعهما لمعنى واحد، ويكون { لَعَذَّبْنَا } هو الجواب. ومنع الشيخ رجوعهما لمعنى واحد، قال: لأن ما تعلق به الأول غير ما تعلق به الثاني - أفاده السمين.

وأجاب الناصر بقوله: وإنما كان مرجعهما ههنا واحدا، وإن كانت (لولا) تدل على امتناع لوجود، و(لو) تدل على امتناع لامتناع. وبين هذين تناف ظاهر؛ لأن (لولا) ههنا دخلت على وجود، و(لو) دخلت على قوله: { تَزَيَّلُواْ } وهو راجع إلى عدم وجودهم. وامتناع عدم الوجود وجود. فآلا إلى أمر واحد من هذا الوجه. قال: وكان جدّي رحمه الله يختار هذا الوجه الثاني، ويسميه تطرية.

السابقالتالي
2